درس خارج فقه استاد سید‌‌‌محمدجواد علوی‌بروجردی

98/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

نعم، قد يتوهّم هنا بالجواب عن ذلک : بأنَّ الأئمّة : لعلمهم وموفقهم بأنَّ الجماعة حول الكعبة مختصّة بالعامّة ولا يتّفق أن يتصدّى لها أحدٌ من الشيعة إلى زمان الحضور، فلم يروا ضرورةً للنّهى عنها وتحذير الشيعة منها، بخلاف أفعال أخرى نهوا عنها وشدّدوا على الابتعاد منها، وبما أنّ الشيعة لم تتقدّم باقامة الجماعة في المسجد الحرام منذ عصر الائمة : والى الوقت الراهن، فلم ينبّه الائمة عليها لأنّها سالبة بانتفاء الموضوع، وسيعرف المسلمون حكمها عند ظهور الامام المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه، حيث يُصلّى في المسجد الحرام عند ظهوره صلوات اللّه عليه وعلى آله.

يرد عليه: بأنّ القضية لم تكن محصورة بخصوص هذا الفرع فقط، حتّى يقال بالتوهّم المزبور؛ بل هي من القضايا المبتلى بها عموم الشيعة، فقد أفتى أكثر الفقهاء بجواز الاكتفاء بصلاتهم وجماعتهم، وعدم وجوب الإعادة عليهم، مداراةً معهم؛ نظير ما يقولون في مناسک الحجّ، ولزوم متابعتهم في الأيّام والمواقف وغيرها، ولعلّ من أحد وجوه القائلين بالجواز في مسألتنا كان ذلک، حيث إنّهم رأوا جواز المشاركة مع جماعتهم، والاكتفاء بها، وعدم الحاجة إلى الإعادة حتّى مع وجود المندوحة، فجعلوا ذلک ملاكاً في الجواز هنا، بحذف بعض الشروط، حتّى مثل عدم تقدّم المأموم على الإمام، بل وحتّى لو تقابل المأموم مع الإمام، أو وقع البيت حائلاً بين الإمام والمأموم، فلابدَّ حينئذٍ لو أردنا تصحيح ما هو مختارنا في مسألة عدم التقدّم عن الإمام، ملاحظة الأقربيّة الى البيت للإمام، أو رعاية الدائرة الهندسيّة، أو كليهما على الاختلاف الموجود فيه.

بل ربّما يمكن أن يقال : إذا أجزنا رفع اليد عن هذه الشروط لأجل مراعاة التقيّة، ليجوز رفع اليد عن هذه الشروط إذا شاركنا جماعتهم، بل مطلقاً حتّى إذا فرض تحقّق الجماعة للمؤمنين حول البيت، وهذا يعنى أنّ الشروط تسقط عند قيام الجماعة حول الكعبة، وتجب مراعاتها فيما إذا لم تكن الجماعة مقامة حول الكعبة، وقيل إنّ الشاهد على ذلک أنّه لو كان مثل هذه الشروط شرطاً حتّى مع الصلاة حول البيت، كان الحَريّ أن يذكّر الائمة : خواص أصحابهم بذلک، ولو من جهة رعاية أقربيّة الإمام بالبيت من المأموم، ورغم ذلک لم يذكروا شيئاً، وأجازوا الاكتفاء بصلاتهم، واقامة الصلاة معهم، من دون مراعاة هذا الشرط، من جعل موقف صلاتهم متأخِّراً عن موقف الإمام بالنظر إلى البيت أو الدائرة البرگالية الهندسية، فكلّ هذه الأمور يوجب الظنّ بسقوط هذه الشروط إذا كانت الجماعة حول البيت.

أقول: هذه المسألة تعدّ من المسائل المهمّة، التي كان من شأنها بيان حكمها ولو في الجملة، ولعلّ بملاحظة بعض هذه ونظائرها ذهب عدّةٌ من الفقهاء إلى جواز الصلاة حول البيت دائرياً وإنْ لزم منها ما لزم، غاية الأمر أنّ الفقهاء لأجل أهمّية المسألة، ومراعاة الاحتياط في مثل الصلاة، حاولوا من تخفيف الخلاف قدر الإمكان، فذهبوا إلى بيان حكم الأقربيّة إلى البيت، أو الدائرة أو كليهما، ولأجل مجموع هذه الأُمور التي ذكرناها، نرى ضرورة عدم الاكتفاء بصلاتهم عند وجود المندوحة، وتكون الإعادة موافقاً للاحتياط، بل لا يترک إذا أمكن الإعادة في الوقت بلا تقيّة، وإِلاَّ يمكن للمصلّى أنْ يكتفى بها لأجل التقيّة، وإن كان الأحوط من الجميع إتيان القضاء، ولو بعد انقضاء المدّة أيضاً، كما لا يخفى.

والحاصل من جميع ما بيّناه: أنّه إن قلنا بكفاية الصلاة معهم عن ما في ذمّتنا، ولو لأجل التقيّة، كان سقوط هذه الشروط مقبولاً، وذلک لا ينافي ضرورة ملاحظة بعض القيود فيها، منها أقربيّة موقف الإمام إلى الكعبة بالنسبة إلى الموقف أو إلى الدائرة البرگالية الهندسية أو كليهما، كما أشار إليه صاحب «الجواهر»؛ عملاً بالاحتياط، واللّه العالم.