درس خارج فقه استاد سید‌‌‌محمدجواد علوی‌بروجردی

98/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

القول الثاني : وهو قول جماعةٍ كثيرة من المُتأَخِّرين وأصحاب الحاشية على «العروة»، بل قيل إنّه المشهور، كما عن السيّد الخوئي في «مستند العروة الوثقى» من المنع عن ذلک، تبعاً للعلّامة في كتبه، خصوصاً ما قاله في «المنتهى» من التصريح بذلک، حيث احتجَّ فيه بأنَّ :

(موقف المأموم خلف الإمام إلى أحد جانبيه، وهو إنّما يحصل في جملة واحدة، فصلاة من غايرها باطلة، وبأنّ المأموم مع الاستدارة، إذا لم يكن واقفاً في جهة الإمام، يكون واقفاً بين يديه فتبطل صلاته.

وهو مختار العَلّامَة البروجردي، حيث تأمّل في جوازها، كما منع عنه صاحب «مستند العروة» وكذلک صاحب «مستمسک العروة» وغيرهما. بل في «المدارک» : (إنّه لم أقف في ذلک على رواية من طرق الأصحاب، والمسألة محلّ تردّد).

بل ردّ في ـ «حاشية المدارک» ـ على ما حكى عنه العلّامة النوري «وسيلة المعاد» ردّ في على المجوّز، المستدلّ بالإجماع عملاً في كلّ الأعصار السالفة، بأنّه: (لم يعهد ذلک من الشيعة، وأمّا غير الطائفة المحقّة لا عبرة بفعلهم، إِلاَّ أن يقال عدم تعرّض أحدٍ من الأئمّة ولا الشيعة، ولا غيرهم للطّعن على هذا الفعل في عصرٍ من الأعصار دليلٌ على الصحّة، وفيه تأمّل.

ثمّ قال: مقتضى ظاهر الروايات الواردة عن الأئمّة :، عدم الصحّة، كما يقوله العَلّامَة، مع أَنَّ الجماعة عبادة توقيفيّة، فما لم يثبت الصحّة، لا يمكن الحكم بها، والمنقول من الأقوال والأفعال لا يشملها فتأمّل). انتهى محلّ الحاجة.

أقول: لا يخفى أَنَّ مقتضى دلالة المطلقات الواردة الدّالة على لزوم مراعاة أسبقيّة الإمام أو تساويه في الموقف، هو كونه شرطاً في صحّة الجماعة، ورفع اليد عنه في المستديرة حول الكعبة يحتاج إلى دليلٍ يدلّ على ذلک، إمّا دليلاً لفظيّاً، والحال أنّه مفقود، كما صرّح به الأعلام، ومنهم صاحب «المدارک»، و العَلّامَة النوري، و المحقّق الخوئي وغيرهم، أو دليلاً لُبيّاً وهو السيرة، بأن يتوهّم قيام السيرة العمليّة الممضاة عند الأئمّة :، من جهة عدم ورود الردع عنهم بالنسبة إلى هذه السيرة، التي هي مستند القائل بالجواز.

والتحقيق: بداية يتوقف الجواب عن حكم هذا الفرع على ملاحظه كلام المحقّق الخوئي، فقد ناقش في هذا الموضوع في تقريراته، المسمّى ب «مستند العروة الوثقى» وقام بتحليلٍ دقيق حول السيرة في هذه المسألة، وأجاب عنها بجواب دقيق، واليک نصّ كلامه :

(إنَّ مثل هذه السيرة لا أثر لها، ولا تكاد تُغني شيئاً؛ فإنَّ المباشر لها أبناء العامّة فقط، إذ لم نجد ولم نسمع تصدّي الخاصَّة لذلک في دورٍ من الأدوار، لا قديماً ولا حديثاً، حتّى في عهد المعصومين :، ولم ينقل عنهم ولا عن شيعتهم إقامة الجماعة حول الكعبة مستديرة، فضلاً عن استقرار سيرتهم عليها، فهي مختصّة بأهل الخلاف فحسب، والرّدع عن هذه السيرة وإنْ لم يثبت عنهم :، إِلاَّ أَنَّ عدم الردع بمجرّده لا ينفع، ما لم يكشف عن الرِّضا، فإنَّ العبرة بالإمضاء المستكشف من عدم الردع، لا به نفسه بالضرورة، ومن الجائز أن يكون عدمه مبنيّاً على التقيّة، كما هو المعلوم من حالهم في تلک الأعصار تجاه حكّام الجور، فلا يكشف عن الرضا.