درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

97/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: كتاب الحج/ في شرائط وجوب حجة الإسلام/ الاستطاعة

ويمکن ان يقال:ان للبحث في المقام جهات ثلاثة:

الاول: هل الکفار مکلفون بالفروع ام لا؟

الثاني: في حد اعتبار حديث الجب ودلالته.

الثالث: في وجوب الحج علی الکفار اذا استطاع في حال کفره واسلم بعد انتفاء الاستطاعته.

اما الاول: انه قد مر في المباحث الاصولية تعريف التکليف بما يمکن ان يکون داعياً، وان قوام التکليف بامکان الداعوية.

وذلک: لان الفرض من التکليف جعل الداعي في نفس المکلف وفي فرض عدم قابلية المکلف لذلک ککونه غير قادر علی التکليف فانه لا يعقل جعل الداعي له بالتکليف، ويمتنع ذلک من الحکيم.

وتمام البحث في المقام انما هو في ان بالنسبة الی الکافر هل يعقل ذلک، بمعنی انه هل يمکن في جعل التکليف بالنسبة اليه امکان الداعوية، اولا.قال السيد الاستاذ (قدس سره):«الحق عدم صحة تكليف الكافر

و ذلك: لان التكليف إنما هو باعتبار جعل الداعي نحو العمل. و من الواضح أن من لا يعترف بمولوية الآمر و ينكرها أو لا يعترف بوجود الآمر او صدور الأمر منه لا يكون جعل الحكم في حقه مؤثّرا في ترتب الأثر المرغوب و هو إمكان الدعوة، إذ لا يمكن أن يكون الحكم داعيا في حق من لا يؤمن بوجود الحاكم أو بصدوره منه.

و هذا المعنى ثابت حتى على رأي من يرى أن حقيقة الحكم هي جعل الفعل في عهدة المكلف، إذ هو لا يلتزم بذلك بنحو لا يختلف التكليف عن الوضع، بل يرى أن التكليف ذلك و لكن بداعي التحريك، فمع عدم قابلية المجعول للتحريك يمتنع جعله لا محالة.

و بالجملة: فتكليف الكافر نظير تكليف العاجز في عدم ترتب الغرض منه و هو امكان الدعوة. و عليه، فيكون ممتنعا كما يمتنع تكليف العاجز.[1]

وربما يقال: ايضاً: ان المتسالم عليه عندهم عدم صحة ما اتی به الکافر اذا فرض اتيانه بالتکليف فيقع البحث في ان الفرض من التکليف جعل الداعي في نفس المکلف لاتيان الفعل، فاذا فرض عدم صحة ما اتی به بمعنی عدم کفايته او عدم قبوله من ناحية الامر فان المراد منه عدم سقوط غرض المولی باتيانه اذ لا معنی لعدم الصحة غير ان الفعل ليس حاملاً لفرض المولی ولا يوجب سقوط غرضه.

وعليه فما معنی جعل الداعي في نفس من لا يسقط الفرض من المولی بفعله وهل يعقل ذلک من المولی الحکيم، وهل يکون مثله جارياً عند العقلاء وانهم يبادرون بمثله ويرونه حسناً، فان المولی العرفي اذا علم بان المامور لا يکون فعله المامور به وافياً بفرضه ولا يتمکن من الاتيان بالفعل الصحيح القابل لقبوله وموجباً لسقوط غرضه هل يمدحونه العقلاء بامره له، او يذمونه کما لو امر بالطفل الذي يعلم انه لا ياتي بالعمل صحيحاً، فهل يکون الذم العقلائي متوجهاً الی الامر به او الی المأمور الفاقد القابلية للاتيان بالعمل الصحيح.والکافر غير قابل للاتيان بالفعل صحيحاً، فکيف يوجه التکليف به وربما قيل.ان الکافر لا يصح ما اتی به من الاعمال ولا يقبل منه لانه فاقد لشرط الصحة کالاسلام والولاية وعليه فان تکليفه وان کان في حال الکفر تکليفاً بالعاجز عن الاتيان الا انه قادر علی اتيان الفعل صحيحاً وقابلاً للصحة والقبول بقبول الاسلام والولاية، وانه بعدم قبوله لهما انما اقدم علی عجزه باتيان الصحيح وليس عاجزاً بالنسبة الی قبولهما. والامتناع الحاصل له في مقام الاتيان بالافعال انما حصل باختياره، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

مثلاً: ان الجنب في حال الجنابة لا يقدر علی الاتيان بالصلوة صحيحاً اي فاقد للقدرة الشرعية ، والقدرة الشرعية کالقدرة العقلية ومع ذلک ليس التکليف بالصلوة تکليفاً له بغير مقدور، لانه قادر علی الاتيان بالفعل صحيحاً باتيان الغسل، فالامتناع الحاصل له في مقام اتيان الصلاة انما حصل له باختياره.

وعليه فلا يکون تکليف الکافر غير معقول او ممتنعاً لذلک.لا مکان قبول الاسلام له، وهذا يکفي في تصحيح امکان الداعوية وصحة جعل الداعي في نفسه.وهذا عمدة الوجه لتوجيه تکليف الکفار بالفروع في الکلمات في مقام الثبوت.ويمکن ان يقال:ان المراد من المقدمات الوجودية للواجب مما يوجب ترک الواجب بترکه المقدمات التي يتوقف تحقق الواجب عليها من الافعال التي يمکن صدورها من المکلف کالوضوء بالغسل في المثال دون المباني الاعتقادية ضرورة ان مثل الوضوة انما يتحقق بفعله واما مثل الاسلام فانما يتحقق بالاعتقاد والجزم في القلب ، وکون مثل الکافر مظفاً بالاصول کالاسلام معناه انه مکلف بالتدبر والتحقيق وکشف الحق عن الباطل لتحصيل له الجزم به وانه لو اهمل وتعلل في ذلک فانما اهمل في وظيفة العبودية بحکم العقل. ولذلک کان معاقباً.وعليه، فان المورد ليس صغری الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيارالا ان يقال:ان قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا يصحح تکليف الکافر في مقام الخطاب، لکنها يتکفل توجيه العقاب له بترک الاعمال لانه بترک الاسلام اختيار انما فوت المصالح الملزمه وان هذه الملاکات وان لا تصحح الاخطاب الفعلي نحو الکافر، الا انه لا مانع من تعذيبه بترک الملاکات المذکورة بترکه الاسلام في الالتزام بان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً الا خطاباً وقد ورد في بعض الکلمات في توجيه تکليف الکافر بالفروع انهم معذبون بترک الفروع وقدر مر في بيان السيد الخوئي (قدس سره):

«... قد يجاب عنه: بأنّه كان متمكّناً من القضاء باختيار الإسلام في الوقت فيصلي أداءً و إن فاته فقضاءً، كما كان متمكّناً من الزكاة بإسلامه قبل أوان تعلّق الزكاة، و قد فوّت على نفسه هذا التكليف بسوء الاختيار المستند إلى عدم قبول الإسلام، و من الواضح أنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً و إن نافاه خطاباً، فالتكليف و إن كان ساقطاً بمناط امتناع خطاب العاجز إلّا أنّ الملاك الفعلي الملزم موجود، و تفويته مستوجب للعقاب بحكومة العقل، و لأجله لا مانع من تعلّق الزكاة كالقضاء بالكافر كالمسلم بمناطٍ واحد.[2]

و قداجاب (قدس سره) عن هذا الاشكال:

«و يندفع: بأنّ هذا و إن كان ممكناً ثبوتاً إلّا أنّه عارٍ عن الدليل في مرحلة الإثبات، إذ لا طريق لنا إلى استعلام ملاكات الأحكام من غير ناحية الأوامر أنفسها، و المفروض امتناع تعلّق الأمر في المقام، لعدم قبوله للامتثال في حالٍ من الحالات كما عرفت، و معه كيف يستكشف تحقّق المناط و الملاك ليكون تفويته المستند إلى سوء الاختيار مستوجباً للعقاب؟! و هل يمكن دلالة قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ و لو مع الغضّ عن ذيلها على ثبوت الأمر بالزكاة الذي هو أمرٌ مستحيل كما عرفت؟![3]

ويکن ان يقال:ان في السیرة العقلائية الجارية بين الموالي العرفية والعبيد، اذا جهل الموظف بان زيد صار رئيساً له وانه يحب عليه الاتيان بما امره، فلم بات بما امره فهل يرون العقلاء ترکه للمامور به مذموماً بما انه ترک للمأمور به او يتعلق الذم بقصوره او تقصيرة في معرفة رئيسه، فانه يری عدم وجوب ما امر به زيد لعدم معرفته بمقامه وشأنه ومع عدم اعتقاده بمولويته في شأنه وشغله، فان تکليفه لا يوجب انقداح الداعي في نفسه، فلا يتعلق به الذم ولا يحسن عقابه عقلاً نعم لو کان عدم معرفته بولاية زيد کان لاجل تقصيره في کسب الخبر والاطلاع علی ما وقع، او قصوره في فحصه الذي کان موظفاً عليه بحسب وظيفة، کان عقابه حسناً، وکان ما صدر منه من عدم تحصيل المعرفة مذموماً دون ترک الفعل المأمور به وفي المقام ان بالنسبة الی الکافر:انه لا يری مقام الامرية في الامر ولا ينقدح في نفسه الداعي لاطلاعته باتيان ما امر به، ولا وجه لعقابه علی خصوص ترک المأمور به لما عرف من ان تکليفه لا حسن فيه کتکليف العاجز.وما يتصور من صحة عقاب الکافر عقلاء ـ حسب ما عرفت في السيرة الجارية بين الموالي والعبيد ـ عقابه علی عدم اختيار الاسلام ولعل ذلک هو الوجه في القول بان الکفار مکلفون بالاصول.ولکن هنا نکتة ايضاً:وهو ان الامر بالکافر باختيار الاسلام شرعاً لا يخلو من غمرض وذلک لان الکافر اذا لم يرى الامرية للاسلام والنبي صلی الله عليه وآله وسلم ولا يعتقد به فلا يفرق الامر بقبول الاسلام مع الامر بالفروع في عدم امکان انقداح الداعي في نفسه نحوه.ويکون ذلک کما اذا امر الرئيس الذي کان الموظف لا يرى رئاسته ونصبه بتبعيته واطاعته. فيلزم ان يکون منشأ الامر بذلک غيره.وفي المقام ان الاشکال في تعلق الامر بالفروع بالنسبل الی الکافر يجري بعينه في الامر بقبول اصل الاسلام من ناحية الشرع فان الاشکال في عدم امکان الداعوية للامر جار فيهما.وحله:ان لزوم قبول الاسلام لزوم عقلي، وانما يدرک العقل لزوم الفحص في کشف الحجل وتحصيل الطريق المؤمن من الوقوع في الهلکات في المفاسد وترک المصالح الملزمة للانسان بما هو انسان، وما دل من الايات والروايات علی عرضته المعجزات من الانبياء عليهم السلام انما کان لاجل اتمام الحجة علی العباد واتمام البيان. فالکافر مکلف عقلاً بالفحص التام والتحقيق في امر الشرايع وقبول الاسلام بعد تمام الحجة عليه، وهو بترکه يستحق العقاب عقلاً.کما ان الموظف يلزم التفحص عن ادعاء رئاسة زيد ومولويته عليه بمقتضی الجري العقلائي الناشي عن الالزام العقلي المذکورثم انه يمکن ان يقال:ان الکافر بترکه الوظيفة العقلية من لزوم تحصيل الحج والمؤمن وعدم قبول الاسلام لم يتمکن طبعاً و دفع المفاسد الملزمة والمصالح کذلک الکاشفة عنهما الاسلام باصدار او امره بالفروع، وفي الحقيقة انه بترک الفحص او عدم قبول الحجة انما بادر علی دفع المصالح وجلب المفاسد باختياره وبما انه تصميم هام بالنسبة الی حياته ومماته، وکان مقصراً في العمل بوظيفته العقلية، وانما يترتب علی عدم اختياره الاسلام جميع ذلک. فلا محاله ان عقابه ليس علی فعل واحد وهو عدم قبول الاسلام، بل علی جميع ما يلحقه ويترتب عليه في تمام عمره.وعليه فان القول بانه معذب بترک الفروع قابل للتصحيح بهذا الوجه لانه ليس البحث في مقام الخطاب ليشکل فيه مکان الداعوية وليس في عدم تصوير کشف الملاکات الا بالاوامر الصادرة في مقام الخطاب کما مر في کلام السيد الخوئي (قدس سره).وربما يؤيد الوجه المذکور بما ورد من ان سوء الاختيار في مقام انما يعادل عقوبته عقوبة سيئات کثيرة من ترک الواجبات وفعل المحرمات، وان کان ما وقع من سوء اختياره غير مرتبط بالفروع بل کان يعد من الاصول، کما ورد من ترتب عقوبة معاصي الجن والانس علی من بادر باقامة السقيفة وسلب الحق عن ولي الله الاعظم، وليس ذلک الا من جهة ترتب هذه العواقب في طول الزمان علی اقدام واختيار وتصميم يعد هاماً بهذا المقدار ومن جملته ما يختاره الکافر في امر معاده ومعاشه.هذا تمام الکلام في تکليف الکفار علی الفروع وعدمه في مقام الاثبات، وربما يمکن حمل بعض ما مر من السيد الاستاذ (قدس سره) عليه.

 


[1] المرتقى إلى الفقه الأرقى، الروحانی، السيد محمد، ج1، ص173.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيدابواقاسم، ج23، ص123 و 124.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيدابواقاسم، ج23، ص124.