درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/12/17

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:كتاب الحج/ في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

ويمکن ان يقال:

ان مفهوم الاستطاعة التی هی شرط لوجوب الحج مقول بالتشکيک، فذهب جماعة من الاصحاب بعدم اعتبار الراحلة لمن يقدر علی المشی بغير کلفة کالنراقی فی المستند ونسبه الی ظاهر الذخيرة وصريح المفاتيح وشرحه وادعی نسبة شرح المفاتيح ذلک الی الشهيدين ونسب الی العلامة فی التذکرة.

وذهب جماعة الی اختصاص اعتبار الزاد والراحلة بالنائی دون القريب. وافاد المحقق (قدس سره): «وهما ـ الزاد والراحلة ـ يعتبران فيمن يفتقر الی قطع المسافة».[1]

وذهب جماعة الی اعتبار الراحلة فی الذهاب دون الاياب.

وقد افاد نفسه ـ السيد الاستاذ ـ (قدس سره):

«الثالث: بناء على اعتبار الراحلة لو ذهب ماشيا و حجّ هل يسقط عنه حج الإسلام بان تكون حجته حجة الإسلام أو لا، فيجب عليه الحج ثانيا لو استطاع؟

ذهب جمع إلى الثاني و لكن الأقوى هو الأول لو تهيأت له الراحلة من الميقات. و ذلك: لأنه حين كان في بلده و إن لم يكن مستطيعا فلا يجب عليه الحج، إلا أنه عند وصوله إلى الميقات يصير مستطيعا على الحج و يصدق عليه أنه يتمكن من الراحلة إلى الحج، فيثبت في حقه الوجوب و يكون ما يؤديه حج الإسلام. و عدم تمكنه من الإياب براحلة لا يضر في ذلك إذا لم يكن فى المشي، أو المكث عليه مشقة لما عرفت من عدم اعتبار الراحلة في مثل هذه الصورة، و هكذا الحال لو انهي أمره إلى أن صار بحكم أهل مكة فلا يكون مشمولا لدليل اعتبار الراحلة أصلا .

و من الواضح ان الاستطاعة لا تكون سببا لوجوب الحج بمجردها كي يقال: إنه إذا استطاع بعد ذلك يجب عليه الحج لحصول سببه. و انما هي شرط الحج الواجب بمعنى انه لا يجب الحج بدونها، لا أنه يجب بها، فلاحظ.»[2]

وظاهره:

ان مع عدم اعتبار الراحلة ـ کما هو مختاره (قدس سره) للقادر علی المشي عرفاً، فانما يجب الحج مع التمکن العرفی من الاتيان بالحج فی الميقات، لمن وصل اليه بای وجه.کما افاد (قدس سره) فی اعتبار الرجوع الی الکفاية:

« و أما الرجوع إلى كفاية، فلو سلم، فعدمه في الفرض لا يضير في وجوب الحج، لأن ظاهر دليل اعتباره هو نفي وجوب الحج فيما يكون الحج سببا في عدم رجوعه إلى كفايته لتعطيل اعماله و نحوها، لا ما يكون عدم الرجوع إليه اجنبيا عن الحج. و ما نحن فيه كذلك، فان الحج لا يصير سببا في عدم الرجوع إلى كفاية لأنه قد سافر على كل حال و تحقق احتياجه عند الرجوع حجّ، أو لم يحجّ.و على ما ذكرنا يتمكن من يشك في استطاعته من السفر فيصير مصداقا للمستطيع بعد سفره لا محالة، فيريح نفسه بهذه الواسطة، و لا يجب عليه الحج إذا تمكن بعد ذلك لأدائه الحج الواجب.و قد ظهر لنا أن على هذه الفتوى جملة من الفقهاء قدّس سرّهم بعد إن كنا نتخيل أنا منفردون بها. فلاحظ.»[3]

ومن افتی به من الفقهاء جماعة منهم السيد صاحب المدارک فی مدارکه والعلامة السبزواری فی الذخيرة، والمولی احمد النراقی فی مستند الشعية.

والمستفاد من کلامه کفاية الحج حتی مع عدم احراز الرجوع الی کفاية فی فرض اعتباره وعدم احراز اسناده الی الحج، اذا فرض رفع حاجته فيه ـ الرجوع الی الکفاية ـ بعد رجوعه وبعد الحج.

هذا وقد مر ان المراد من الاستطاعة هو الاستطاعة العرفية والمراد منها التمکن العرفی بحسب متعارف المکلف.

وليس المراد من التعبير بالزاد والراحلة فی الاخبار غير ذلک.

وهذا التمکن لو حصل للمکلف فی بلده، فانما يجب عليه الحج بقطع المسافة والوصول الی الميقات والاحرام والاتيان بالمناسک.

ولو فرض حصوله له فی الميقات، بان يکون مسافراً فاتفق سيره الی الميقات فی اشهر الحج ويری نفسه متمکناً من الاتيان به، فانه يجب عليه الحج بلا شبهة وقد مر ورود الاخبار فيه فی مثل الجمال وامثاله.

وعليه فان من قطع المسافة من دون تمکنه من الاتيان بالحج من بلده ووصل الی الميقات، ولکنه يری نفسه متمکنا من الحج فی الميقات فهل يجب عليه الحج؟

فان مقتضی الاخبار فيما ورد فی مثل الجمال ومن سافر لتجارة ونحوها الوجوب.

مع ان تحقق الشرط قبل المشروط وقبل الابتداء بالحج فی الفرض يوجب وجوب الحج وثبوت الأمر به.

ومن طرف آخر:انه يمکن ان يقال:

ان اعتبار الاستطاعة فی الحج بخلاف سائر الواجبات، ان هذه العبادة بالنسبة الی اکثر الناس بل غالبهم دون اهل مکة تحتاج الی قطع المسافة والسفر وهو غير مقدور عرفاً بالنسبة الی من ليس له تمکن السفر وقطع المسافة اليه خصوصاً من البلاد النائية والتعبير عن الاستطاعة بالزاد والراحلة انما يکون من هذه الجهة لانهما من لوازم السفر، والمراد من الزاد زاد الطريق والا فان مثل اهل مکة قد مرّ عدم اعتبار هذه الجهة اي الزاد والراحلة بالنسبة اليه، لانه فی منزله ويأتی بالعبادة فی موطنه فالحج بالنسبة اليه کالصلاة. يتمکن من الإتيان به بغير ای راحلة او زاد اکثر من متعارفه فی بلده.

ولذلک کان النظر فی الاستطاعة الی هذه الجهة اي قطع المسافة واما من وصل الی الميقات باي وجه فکأنه صار مثل اهل مکة فی عدم اعتبار شيء من ذلک له.

ولهذه الجهة کان نظر جماعة اعتبارها فی خصوص قطع المسافة واما من وصل الی الميقات، فان وجوب الحج عليه لا تتوقف علی الاستطاعة کما عرفت فی کلمات سيدنا الاستاذ.

ويمکن الاستشهاد لذلک:

بما ورد فی حج الصبي اذا بلغ فی اثناء الحج ومر فيه انه لو بلغ فی عرفات او المشعر بل فی منی ، فانه يکفي حجه عن حجة الاسلام، وکذا لو بلغ الصبی فی الميقات بحيث وقع حجه عن بلوغ فانه يکفی عنها.

ووجه الاستشهاد ثبوت الوجه للحج بالنسبة اليه بتحقق شرط البلوغ فی الميقات. بل تحققه فی اثناء الحج.

وکذا ان الصبی اذا بلغ فی الاثناء فانه غير واجد لشرط الاستطاعة بنفسه، وانما المتحقق فی حقه التمکن من اتمام الحج بالغاً.

وعليه فان مع تحقق شرط الاستطاعة وهی التمکن من اتيان الحج فی الميقات لوجب الحج.

نعم، يتم ما افاده من عدم تمامية التشبيه من حيث ما قيل من عدم دخل البلوغ فی تحصيل الملاک لان رفع التکليف عنه لاجل الامتنان والتسهيل.

هذا.

واما ما افاده (قدس سره) بان لمن وصل الی الميقات يمکن الالتزام بتحقق الاستطاعة له اذا کان واجداً للراحلة لمسير عرفات، فانه وان افاد ذلک بناءً علی اعتبار الراحلة، الا انه لا يتم الالتزام به لتعارف طي المسير الی عرفات بالمشی، وهو ليس بغير متعارف لإهل مکة.

 


[1] شرائع الإسلام-ط استقلال، المحقق الحلی، ج‌1، ص164.
[2] المرتقى إلى الفقه الأرقى، السيدمحمدالروحانی، ج‌1، ص57 و 58‌.
[3] المرتقى إلى الفقه الأرقى، السيدمحمدالروحانی، ج‌1، ص58‌.