درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:كتاب الحج/ في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

هذا وافاد السيد الاستاذ في ذيل قول صاحب العروة: ففي كفايته ـ الحج في الصورة الاولى ـ عن حجة‌ الاسلام وعدمها وجهان، اقواهما العدم:

«وجه العدم: أنّ المال إذا كان مغصوبا لم تتحقق به الاستطاعة لحرمة التصرف فيه كما أنّه لا يصدق عرض الحج إذ ظاهر عرض الحج و هو بذل ماله لا مال الغير.

و وجه الوجوب: هو تحقق الاستطاعة لأنه يصح له التصرف بالمال مع جهله بالغصب، فالاستيلاء عليه محقق. كما أنه يصدق عرض الحج به- كما يقال:

«أضافني اليوم بأكل حرام»- فيجب عليه الحج واقعا لثبوت موضوعه.

غاية ما هنا لك: دعوى مزاحمة وجوب الحج بحرمة التصرف بالمال، و هي تندفع بأن الحرمة غير فعلية مع الجهل، فلا تزاحم الوجوب.

و تفرقة المصنف بين صورتي البذل مخدوشة، لأن عرض الحج لا يتحقق بمجرد إنشاء البذل، بل إنما يتحقق ببذل المال خارجا، و المفروض أن المال المبذول خارجا في الصورتين أنما هو المال المغضوب، فإذا كان ذلك موجبا لعدم تحقق الاستطاعة و عدم تحقق البذل في الصورة الأول فهو كذلك فى الصورة الثانية، و إلا فهو موجب لتحقق موضوع الحج في كلتا الصورتين.

و بالجملة: لا فرق من الصورتين في الحكم و قد عرفت تقريب احتمال الوجوب.

وافاد بالنسبة الى ضمان المغصوب في ذيل قول صاحب العروة: وقرار الضمان على الباذل في الصورتين:

إذ مع علمه يصدق التغرير و قد عرفت أنه سبب لرجوع المغرور كما أنه سبب في الإتلاف بنحو يصدق أنه متلف. فيضمن للمبذول له. و مع جهله يرجع المبذول له للوجه الثاني فقط لعدم صدق التغرير مع الجهل، كما لا يخفى.»[1]

والمهم فيما افاده (قدس سره): تقريب احتمال الوجوب، بان مع بذل المال المغصوب انما يتحقق له الاستيلاء عليه، والمفروض جهله بالغصب، فيصح له التصرف فيه ويحصل له التمكن العرفي.

وكذا انما يصدق عليه العرض وقد عرض عليه الحج في فرض جهله بالغصب ومعه يجب عليه الحج واقعاً لثبوت موضوعه.

ونفى (قدس سره) مزاحمة وجوب الحج بحرمة التصرف في المال، بان الحرمة لا تزاحم الوجوب لعدم فعليتها في ظرف الجهل.

كما انه افاد في تقريب عدم الوجوب.

ان المال في فرض كونه مغصوباً يحرم التصرف فيه فلا تتحقق الاستطاعة به وظاهر عرض الحج بذل ماله لا مال الغير فلا يجب الحج.

وافاد بانه لا وجه للتفريق بين الصورتين في كلام صاحب العروة ـ اي لو بذل له مالاً ليحج به فتبين بعد ذلك انه كان مغصوباً، وما لو قال: حج وعليّ نفقتك ـ لان بالنسبة الى التقريب الاول في كلامه وهو تقريب عدم الوجوب لا يجب الحج في الصورتين لعدم تحقق الاستطاعة فيهما.

وبناءً على التقريب الثاني يجب الحج في الصورتين لتحققها فيهما.

كما انه يثبت الضمان لو اتى بالحج بالمال المغصوب ثم تبين كونه مغصوباً للباذل في صورة علمه وجهله لعدم حصر الدليل بقاعدة التغرير، كما هو مدعى صاحب العروة.

هذا و قد وقع الاختلاف في اجزاء ما حج به في مفروض الكلام وعدم اجزائه بين اعلام محشي العروة، كما يظهر الاختلاف المذكور في المتن بقوله: وجهان، فافاد السيد الشيرازي في ذيل قول صاحب العروة «ففي كفايته للمبذول له عن حجة‌ الاسلام وعدمها وجهان: اقواهما العدم».

« لا يبعد القول بالكفاية.»[2]

وافاد كاشف الغطاء:«بل الصحة اقوى، وتكفي عن حجة الاسلام كالصورة الثانية.»كما افاد السيد الكلبايكاني (قدس سره) ايضاً:«بل الاقوى الكفاية.»

والتزامهم بصحة الحج واجزائه عن حجة الاسلام في الصورة الاولى بالاضافة الى سكوتهم عما افاده صاحب العروة في الصورة الثانية من صحة الحج واجزائه يدل على التزامهم بالصحة والاجزاء في الصورتين فيخالف ما التزم به السيد الحكيم والسيد الخوئي (قدس سرهما) من عدم صحة الحج وعدم تمامية الاجزاء ‌في الصورتين.

وقد صرح السيد الخوئي في حاشيته على المقام ايضاً:« الظاهر انه لا يجزي عنهما».

وافاد السيد البروجردي (قدس سره) في الحاشية بالنسبة الى الصورة الثانية:

«إن قال حج بنفقة نفسك وعلي اعطاؤها بعده، فليس هذا من البذل الموجب للحج، وان قال حج بانفاقي عليك وانفق لم يكن بينه وبين سابقه فرق.»[3]

كما افاد المحقق الفيروزآبادي:

«بل الظاهر عدم اجزائها عن حجة الاسلام خصوصاً اذا كان قصده من الاول البذل من المغصوب.»[4]

ويمكن ان يقال:ان اساس نظر صاحب العروة (قدس سره) في المقام: ان في الصورة ‌الاولى:

كان ما يبذله الباذل للحج من مال المغصوب، وان المبذول له اتى بالحج به فقوى فيه عدم الكفاية عن حجة الاسلام.

واما في الصورة الثانية:

فانه افاد بان الباذل لا يبذل مؤونة الحج ابتداءً من المال المغصوب بل انما اخذها بذمته بان يقول: حج وعليّ نفقتك، فاخذ المؤونة على ذمته، ثم دفع ما اخذ بالمال المغصوب.

ففي هذه الصورة استظهر (قدس سره) الصحة في الحج والاجزاء ووجهه بقرينة التفريق بالمثال. ان البذل لم يتحقق بالمال المغصوب بل انما تحقق بالتزامه وتعهده لدفع نفقة الحج وان لمال المغصوب دخل في مقام تأدية ذمته لا في مقام البذل، كما وقع تنظيره من السيد الخوئي (قدس سره) فيما مرّ من كلامه ببيع الكلي. وهو شأن جميع المبادلات الكلية التي موطنها الذمة دون الخارج.

وعمدة الاشكال عليه في الكلمات:ان بالنسبة الى الصورة الاولى:

ان ما بذله مال الغير ولا يتحقق به التمكن من الحج به، لان بذل المؤونة يلزم ان يكون من مال نفسه او من المال الذي هو مأذون في التصرف فيه.

مع: ان بذل المال المغصوب ليس من البذل الموضوع في ادلة البذل الموجب للاستطاعة.

واما بالنسبة الى الصورة الثانية:

فانه وان كان ما يصرف في مؤونة الحج ليس من مال الغير ـ بعد فرض الكلام في تبیين الغصب بعد تمام الاعمال ـ لان الباذل يلتزم باعطائها ويتعهد به وانما اعطى المغصوب في مقام الوفاء بعمده؛ ولذلك وان كان ربما لا يلزم فيه التصرف في مال الغير في مقام صرف المؤونة للحج، كما هو اساس نظر صاحب العروة في هذا المقام لان الباذل يتعهد المؤونة في ذمته والذمة كلي لا تنحصر بالغصب، الا ان عمدة ‌الاشكال فيه ان الالتزام بهذا النحو والتعهد لا يصدق عليه البذل الموضوع في ادلته، لان البذل هو دفع مؤونة الحج، الملازم لتمكنه الفعلي المتحقق بامكان التصرف الفعلي فيه وهو غير متحقق في المقام.

وصريح ظاهر صاحب العروة التزامه بصدق البذل فيه وصرح بان المبذول له يستطيع في هذه الصورة بالبذل.

وهنا نكتة يلزم الدقة فيها:

وهو ان الاستطاعة انما تتحقق بالتمكن من التصرف فيما يتكفل للحج، بلا فرق فيه بين الاستطاعة المالية او البذلية.

فلو كان في يده مال اضافة على يحتاج اليه في معايشه الضرورية، وكان هو في الواقع مغصوباً ولكنه لا يعلم به، فهل يجوز له التصرف فيه ام لا؟

لا شبهة في جواز تصرفه فيه، لانه يراه مالاً لنفسه لا لغيره، فاذا جاز له التصرف، فما الفرق في جوازه بين صرفه في مؤونة الحج وغيره ولماذا لا يتحقق له الاستطاعة الموجبة للحج في مقام الظاهر.

وانما يشتد هذا الاشكال فيما اذا كان الباذل جاهلاً بكون ما دفعه مغصوباً، وانما بان له ذلك بعد ما اتى المبذول له بالحج. فبذله في سبيل الاتيان بالحج؛ فانه لا مانعية في الغصبية الواقعية في جواز التصرف في حال الجهل وحصول التقرب وامكان الإتيان بالعمل متقرباً.

وعليه فلا يزاحم وجوب الحج الجائي من ناحية هذا التمكن مع حرمة التصرف في الغصب، لان حرمة التصرف ولو كانت ثابتة في التصرف في مال الغير بدون اذنه واقعاً الا انه ليست فعلية في حقه كما مرّ في كلمات السيد الاستاذ (قدس سره).

وان شئت قلت: ان الواقع غير منجّز في حقه، وانه مأمور بالظاهر في ظرف الجهل بحكمه الواقعي، كما هو الشأن في جميع موارد الجهل بالاحكام الواقعية.

وربما لا ينكشف الواقع له في تمام عمره، بل الى الابد.

وعليه فلا كلام في صدق التمكن المراد في الاستطاعة في المقام بعد عدم المانع من جواز التصرف في المال.

ودفع مال الغير وان لا يكون هو البذل الموضوع في الاخبار اذا علم الباذل بالغصبية الا ان بالنسبة الى المبذول له بذل لفرض جهله. والباذل انما غره بذلك، ولكنه ذا دخل في الضمان دون صدق البذل ظاهراً.

وهذا البحث جار فيما كان الباذل جاهلاً بكون ما دفعه مغصوباً، وانه لا مانع في صدق البذل لما دفعه.

وعليه فان المبذول له انما اتى بالمأمور به بالامر الظاهري، وكفايته واجزائه عن الامر الواقعي انما يبتني على القول باجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري عن المأمور به بالامر الواقعي، وعمدة الاعلام وإن التزموا بان مقتضى القاعدة في مورده عدم الاجزاء الا انهم التزاموا في العمل بالإجزاء بوجوه.

ولكنّا اخترنا في الاصول ان الاجزاء في المقام هو مقتضى القاعدة وعليه فان الالتزام بصحة الحج والاجزاء له وجه وليس ببعيد وفاقاً لسيد الشيرازي والمحقق كاشف الغطاء والسيد الكلبايكاني.

ومعه لا وجه للتفريق بين الصورتين من هذه الجهة.

نعم، ان اشكال عدم صدق البذل في مورد الالتزام والتعهد بدفع مؤونة الحج اشكال قوي، لان الاستطاعة ولو بالبذل إنما يتحقق بالتمكن الفعلي المتحقق بامكان التصرف الفعلي وهذه الجهة‌ مفقودة في موارد الالتزام بلا دفع شيء.


[1] المرتقى إلى الفقه الأرقى، السيد محمد الروحاني، ج‌1، ص129 و 130.
[2] العروة الوثقي-جماعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی، ج4، ص410.
[3] العروة الوثقي-جماعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی، ج4، ص410.
[4] العروة الوثقي-جماعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی، ج4، ص410.