درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/08/24

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:كتاب الحج/في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وأما الكلام في المقام فهو: أنه إذا بنينا على عدم تأثير الرجوع إذا أذن في الصلاة - لما سبق - لا يلزم البناء عليه في المقام، لأن وجوب إتمام الحج في المقام لا ينافي حرمة التصرف في المال المبذول، لجواز إتمام الحج بلا تصرف في المال المبذول، بأن يحج متسكعا، أو بالاستدانة، أو الاستيهاب. أو إجارة نفسه على عمل مؤجل أو حال أو غير ذلك.

فوجوب اتمام الحج لا يقتضي سلب قدرته على ترك التصرف في المال، كي يكون من قبيل باب الإذن في الصلاة.

نعم، إذا انحصر إتمام الحج بركوب الراحلة المبذولة كان من ذلك القبيل، وحينئذ يجئ فيه ما ذكر هناك، فإن قلنا فيه بعدم تأثير الرجوع وجب الاتمام بالتصرف بالمال المأذون فيه أولا، وإن رجع المالك عن الإذن.

وإن قلنا بتأثير الرجوع وجب ترك التصرف، ويجري عليه حكم المحصور.هذا كله من حيث الحكم التكليفي.

أما من حيث الحكم الوضعي - أعني: ضمان المال المبذول في المقام، والانتفاع المبذول في باب الصلاة والإعارة للزرع والغرس - فهو أنه إن بني على تأثير الرجوع في حرمة التصرف فلا إشكال في الضمان. أما لو بني على عدم تأثيره، فقد يقال بعدم الضمان، لوجوب البذل شرعا، المقتضي لعدم احترام المال.

وفيه: أن وجوب البذل أعم من عدم احترام المال، نظير البذل عند المخمصة، فإنه مضمون على المتصرف فيه بالأكل.

وبالجملة: وجوب بذل المال، ووجوب تصرف المبذول له فيه لا يقتضي نفي الضمان الثابت بالاتلاف، لعدم المنافاة بينهما كي يدل أحدهما على عدم الآخر.

وكذا الكلام في ضمان منافع الأرض المبذولة للغرس والزرع والبناء إذا لزم الضرر من إخلائها من ذلك عند رجوع الباذل عن إذنه. فلاحظومن ذلك تعرف حكم الرجوع عن الإذن في الموارد المختلفة، فإن رجوع الباذل للرهن لا أثر له، ورجوع المعير للزرع والغرس ونحوهما يترتب عليه الأثر تكليفا ووضعا، إلا مع الضرر فيترتب أثره وضعا لا تكليفا، ورجوع الإذن في الصلاة يترتب أثره تكليفا ووضعا، فتبطل الصلاة معه ويكون المصلي ضامنا، وكذا المقام.

وأما رجوع الزوج عن الإذن للزوجة في الحج فيترتب عليه أثره وإن كان قبل إحرامها، ولا يترتب أثره إذا كان بعد إحرامها، لأن وجوب الاتمام مانع عن وجوب إطاعة الزوج. ومثله رجوع الوالد عن الإذن لولده في الحج.

وأما رجوع المولى إذا إذن لعبده في الحج أو الاعتكاف، فإن كان قبل الاحرام في الحج، وقيل اليوم الثالث في الاعتكاف ترتب عليه أثره -، من حرمة الحج والاعتكاف - فيبطل اعتكافه إذا كان قد شرع فيه.

وإن كان بعد الاحرام أو بعد دخول اليوم الثالث، فإن قلنا بأن منفعة الحج والاعتكاف من المنافع المملوكة - كما هو الظاهر - يكون الحكم كما لو رجع الباذل للصلاة، وإن لم نقل بذلك كان الحكم كما في رجوع الزوج والوالد عن الإذن. وأما إذا أذن في دفن الميت في ملكه ثم عدل بعد الدفن، فإن لم يؤد نقله إلى موضع آخر إلى محذور لزم، وإن أدى إلى هتك حرمته - لطروء الفساد على بدنه - ففي جواز نقله إشكال، لاحتمال أهمية حرمة الهتك من محذور دفنه في أرض غيره. ولا سيما أن حرمة الهتك لا تختص بالمباشر لدفنه بل عامة حتى لصاحب الأرض. ولأجل ذلك يشكل النقل حتى لو دفن في أرض بغير إذن المالك، لاطراد المحذور فيه أيضا. ثم إن الظاهر: أن وجه توقف المصنف ( ره ) عن الحكم بجواز الرجوع في البذل بعد الاحرام، مع بنائه على الجواز فيما لو أذن في الصلاة في داره - كما تقدم منه في كتاب الصلاة -: احتمال التمسك بقاعدة الغرور في المقام، التي يدل عليها - مضافا إلى الاجماع في الجملة -:

النبوي المرسل المشهور:" المغرور يرجع على من غره ".[1]

وما ورد في تدليس الزوجة، من رجوع الزوج إلى المدلس، معللا بقوله ( عليه السلام ): " كما غر الرجل وخدعه ".[2]

ومقتضى ذلك وإن كان عموم الحكم برجوع المغرور إلى الغار في جميع الموارد، إلا أنه ليس بناء الأصحاب على العمل بها كليه. ولذلك يشكل الأخذ بعموم دليلها، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من ( نهج الفقاهة )، تعليقتنا على مكاسب شيخنا الأعظم ( قده ). لكن يخدش الوجه المذكور: أن الايقاعات لا توجب تغريرا للغير، فإنها إنشاءات بحتة ليس فيها حكاية ولا دلالة تصديقية، ولا تتصف بصدق ولا كذب، فإذا رجع الباذل عن بذله لم ينكشف من الرجوع خلاف ما دل عليه إنشاء الوعد. نعم إذا ظهر من قوله أو فعله أنه لا يخلف في وعده ولا يرجع عنه كان ذلك تغريرا للمبذول له وايقاعا له في الغرور فالتغرير إنما يكون بذلك القول أو الفعل لا بنفس الوعد.وعليه إذا بني على عموم القاعدة، ولزوم العمل بها فاللازم التفصيل بين أن يكون اعتماد المبذول له على مجرد الوعد، وبين أن يكون اعتماده على قوله أو فعله الدال على بقائه على وعده.

ففي الأول لا مجال لرجوعه عليه.

وفي الثاني يرجع عليه، لحصول التغرير منه في الثاني دون الأول. وأما العمل بعموم القاعدة حتى في المقام فلا بأس به، لعموم دليلها.

نعم قد يشكل صدق التغرير إذا لم يكن الغار قاصدا للايهام. بل الظاهر اختصاص الخديعة بذلك، ففي هذه الصورة يضمن الغار، ولا يبعد أن يكون بناء العقلاء والمتشرعة على الضمان ومؤاخذتهم الغار بتغريره. أما إذا لم يكن قاصدا للايهام وايقاع المغرور في خلاف الواقع، ففي البناء على الضمان اشكال، لعدم وضوح الدليل فيه. وعدم ثبوت بناء العقلاء والمتشرعة عليه، وإن كان ظاهر الأصحاب في مبحث الفضولي - فيما لو رجع المالك على المشتري - عموم الحكم لصورة علم الغار وجهله.

وإنكان بناؤهم على ذلك لا يهم إذا كان الدليل قاصرا، فإنه لم يكن عن إجماع معتد به على ذلك، لاختلاف أنظارهم في وجه الرجوع....»[3]

وحاصل ما أفاده: انه (قدس سره) اورد على مدعى المحقق النائيني من توجيه عدم جواز الرجوع بعد الاحرام بانه لو شرع في الاحرام وجب عليه اتمام الحج، فلا قدرة له على تركه ومعه لا اثر لعدول الباذل نظير ما لو اذن المالك في الصلاة في ملكه فانه بعد التكبير لا اثر لمنع المالك:

وحاصل إيراده: ان الحكم غير ثابت في النظير.

وذلك لان نهي المالك عن الصلاة في ملكه يوجب امتناع التعبد بها فبطلت وان وجوب اتمام الصلوة انما يتم في فرض امكان الاتمام، ونهي المالك يمنع عن امكانه.كما افاد بانه لا يتم توجيه مدعى النائيني ايضاً بان حرمة‌ الابطال من آثار الدخول في الصلاة الصحيحة، والصلاة ‌باذن المالك ابتدأت صحيحة فيترتب عليه حرمة الإبطال.وذلك لان المحرم ابطال الصلاة الصحيحة، والمراد من الصلاة‌ الصحيحة ‌ما صحت حدوثا و بقاءً، فاذا عرض ما يوجب بطلان الصلاة، لا يمكن تصوير صحتها بقاءً كما في غير موارد الاذن.كما انه لا يتم توجيهه ايضاً بان الاذن في الشيء اذن في لوازمه والاذن في الشروع يستلزم الاذن في الاتمام.

وذلك: لان موضوع البحث في المقام جواز رجوع المالك وعدم جوازه، وحرمة اتمام الصلاة برجوعه وعدم حرمته، دون البحث في تحقق الاذن بالاتمام، عند اذنه في الشروع، وحسب تعبيره.

ان الكلام في تأثير الرجوع عن الاذن ثبوتاً، لا في ثبوت الاذن وعدمه اثباتاً فيختلف المورد عن مورد قاعدة ان الاذن في الشيء اذن في لوازمه موضوعاً وحكماً ثم ورد في بيان موارد رجوع المالك عن اذنه.فمثل بما اذا اذن المالك في البناء في ملكه او الفرس فيه او الزرع فيه ثم رجع عن اذنه.وافاد بان في هذه الموارد ايضاً يلزم اخلاء الارض برجوع المالك عن اذنه كما في المقام.الا اذا لزم الضرر على المأذون فيكون مورداً لحكومة قاعدة لا ضرر على قاعدة السلطنة.ولا تعارض جريان لا ضرر بالنسبة الى المأذون جريانه بالنسبة الى المالك لتقدم جريانه بالنسبة الى المأذون بمقتضى الاذن الصادر عن المالك. وافاد ايضاً:بانه ربما يستشهد على عدم جواز رجوع المالك عن اذنه في المقام:بما تسالموا عليه من عدم تأثير رجوع المالك عن اذنه في الرهن اي فيما اذن في رهن ملكه.وافاد بانه لا وجه للاستشهاد المذكور.لوضوح الفرق بين المقامين:فان الرهن باذن المالك انما يوجب حقاً للمرتهن في العين، وقاعدة السلطنة كما تجري في الملك تجري في الحقوق، فتمنع عن تأثير الرجوع.كما تمنع عن جريان قاعدة السلطنة في حق المالك.ووجه ما افاده:بان عقد الرهن ليس ـ كالحج والصلاة ـ من الامور القارة‌ الموقوفة على اذن المالك حدوثاً وبقاءً، بل هو امر يحدث وينعدم، فاذا حدث صح وترتب اثره، واذا لم يكن من الامور القارّة فلا يحتاج الى الاذن في بقائه، بل هو بمجرد حدوثه يكون موضوعاً لترتب الاثر.واما مثل التصرف في المكان او الصلاة، فانه يحتاج في موردهما من اذن المالك حدوثاً وبقاءً، لان التصرف وكذا الصلاة من الامور القارة. ثم افاد (قدس سره) بان هذا كله في النظير.واما في المقام، فانه لا وجه لتنظير مورد الحج بمورد الصلاة، لانه وان التزمنا بعدم تأثير رجوع المالك عن اذنه في الصلاة لا يمكننا الالتزم بعدم تأثيره في الحج.وذلك لفرض امكان اتمام الحج بلا تصرف في مال الباذل، ما بذله للمبذول له ابتداءً، مثل ان يحج متسكعاً، او بالاستدانة او اجارة نفسه على عمل مؤجل او حال، او غير ذلك.وعليه فان وجوب اتمام الحج لا يقتضي سلب قدرته على ترك التصرف في المال ومعه فيختلف مع مورد الصلاة.

وقد افاد (قدس سره): بانه لو فرض حصر اتمام الحج بالتصرف في المال المبذول لا فرق بينه وبين مورد الصلاة.

هذا ما افاده بالنسبة الى الحكم التكليفي.

 


[1] مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبايي الحكيم، ج10، ص144.
[2] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج21، ص220، أبواب العيوب والتدليس في النکاح، الباب7، ط آل البيت.
[3] مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبايي الحكيم، ج10، ص140 و 145.