درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:كتاب الحج/في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وافاد السيد الخوئي (قدس سره):«وانت خبير بان ما ذكره في الاستبصار لا يمكن المساعدة ‌عليه بوجه، لان صحيحة معاوية لو كانت متعرضة ‌للصحة فحسب، لم تستلزم الاجزاء عن حجة الاسلام كما ذكر، ولكنها متكفلة زائداً على ذلك للاجزاء عن حجة الاسلام ايضاً بل مصرحة بذلك كما لا يخفى ومعه لا مناص من الجمع بالحمل على الاستحباب كما صنعه في التهذيب.

ومنه تعرف ان القواعد والاصول تقتضي عدم وجوب الحج ثانياً بعد ما ايسر عكس ما ذكره (قدس سره) من الوجوب، اذ بعد ان اتصفت تلك الحجة بالاجزاء عن حجة ‌الاسلام بصريح هذه الصحيحة لم يكن بعدئذ مقتض للوجوب بعد ان لم تجب هي في العمر الا مرة واحدة‌ اتفاقاً، وقد نطقت به النصوص ايضاً، والتي منها: صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبدالله (عليه السلام) حيث قال فيها:

«... وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون اكثر من ذلك.»[1]

بل قد صرح بالاجزاء في محل الكلام في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبدالله(عليه السلام) «في رجل ليس له مال فحج عن رجل، او أحجه غيره، ثم اصاب مالاً هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعاً.»[2]

سواء‌ اكان مرجع ضمير التثنية ما اتى به من الحج البذلي قبل الاصابة، وما لم يات به بعد الاصابة ـ الذي كان واجباً في حد نفسه ـ ليكون مفادها: ان ما اتى به مجزٍ عن الواجب عليه بالاستطاعة البذلية، والواجب عليه بالاستطاعة المالية.

ام كان مرجع الضمير: الحج الصادر عن النائب والصادر عن المبذول له، غايته: انه تام الدليل من الخارج على عدم اجزاء الصادر عن النائب عن نفسه لو استطاع، فترفع اليد عن هذه الفقرة بالقرينة الخارجية. واما الفقرة الاخرى فلا موجب لرفع اليد عنها، وقد دلت على اجزاء الحج البذلي عن حجة الاسلام بعد ما استطاع.»[3]

ما افاده (قدس سره) يتضمن اموراً:الاول:ان صحيحة معاوية بن عمار لا تتعرض لصحة الحج البذلي فقط، بل تتكفل بيان الاجزاء بل تصرح به.

ونظره الى ان جواب الامام فيها بقوله (عليه السلام): بل هي حجة تامة انما يكون بعد سؤال معاوية بن عمار «أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟» في قوله: «رجل لم يكن له مال فحج به رجل من اخوانه...»

ومعه فان قوله (عليه السلام) ‌في مقام الجواب عنه «بل هي حجة تامة» يتضمن تمامية الحج من حيثية السؤال وهو الاجزاء ‌عن حجة الاسلام، وانما يدل علي ذلك بيان السائل: أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام ام هي ناقصة. ومراده من النقص، النقص في اجزائه عنها، فاجاب الامام (عليه السلام): بانه لا نقص فيما اتي به من هذه الجهة، فيكون ذلك مما يدل بل يصرح بالاجزاء.وعليه فان ما صنعه في التهذيب من حمل الامر بالحج ثانياً بعد يساره على الاستحباب تام.الثاني:ان وجوب الحج ثانياً بعد الاتيان بالحج البذلي مما لا يقتضيه القواعد والاصول، لان مع التصريح باجزاء الحج البذلي عن حجة الاسلام بصريح صحيحة معاوية بن عمار بضم ما دل على عدم وجوب الحج في العمر الا مرة واحدة، لا مقتضى لوجوبه عليه بعد ايساره ثانياً.ومن جملة هذه الاخبار صحيحة هشام بن سالم.

وهي ما رواه أحمد بن محمد البرقي في ( المحاسن ) عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: ما كلف الله العباد إلا ما يطيقون إنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات - إلى أن قال: - وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك الحديث.[4]

وعليه فان مع تصريح الصحيحة ـ صحيحة معاوية بن عمار ـ بالاجزاء وضم هذه الاخبار لا موجب لما سلكه في الاستبصار من وجوب الحج ثانياً. الثالث:ان التصريح باجزاء ‌الحج البذلي عن حجة الاسلام لا ينحصر في صحيحة معاوية بن عمار، بل انما وقع مثله في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبدالله (عليه السلام) الواردة‌ في محل الكلام:وهي

ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعا [5]

فان ضمير التثنية في قوله‌ (عليه السلام): يجزي عنهما جميعاً يحتمل رجوعه الى امرين:

1 - ان يكون مرجع الضمير ما اتى به من الحج البذلي قبل الاصابة، وما لم يات به بعد الاصابة ـ الذي كان واجباً في حد نفسه ـ فيكون مفادهما: ان ما اتى به مجز عن الواجب عليه بالاستطاعة البذلية والواجب عليه بالاستطاعة المالية.

2 - ان يكون مرجعه: الحج الصادر عن النائب والصادر عن المبذول له، اي ما صدر عنه عن غيره، وما صدر عنه بمقتضى البذل، وبعبارة اخرى يرجع الضمير الى ما اتى به النائب عن غيره. وما اتى به المبذول له بمقتضى البذل، ومقتضى الرواية الاجزاء في الموردين. اي اجزاء ما اتى به النائب بعنوان النيابة عن نفسه، وكذا اجزاء ‌ما اتى به بذلاً.

وعند هذا الاحتمال ـ اي الوجه الاخير ـ يلزم رفع اليد عن الاجزاء فيما اتى به النائب عن غيره بعنوان حجة الاسلام عن نفسه لقيام الدليل على عدم اجزاء الصادر عن النائب عن نفسه، واما اجزاء‌ ما اتى به بذلاً فهو تام لا وجه لرفع اليد عنه، فتدل على اجزاء الحج البذلي عن حجة الاسلام. ويمكن ان يقال:ان بالنسبة الي الامر الثالث:فان هنا احتمال ثالث في مرجع ضمير التثنية، وهو رجوعه الى حج المنوب عنه الذي اتي به النائب، وحج المبذول له.وذلك: لان في سؤال الراوي رجل حج عن رجل، او أحجه غيره، ثم اصاب مالاً، هل عليه الحج؟فاجاب الامام (عليه السلام): يجزي عنهما، فالاجزاء بالنسبة الى الاول اي رجل حج عن رجل انما أراد (عليه السلام) منه كفاية‌ ما اتى به الرجل عن النائب، فما اتى به النائب يجزي عن المنوب عنه، فانه يلزم رجوع الضمير الى الجملتين اللتين وقعتا في السؤال، وبالنسبة الى الجملة الاولى لا معنى للاجزاء الا كفاية ما اتي به النائب عن غيره، ولا وجه لاستظهار كفاية ما اتى به عن نفسه فيها.واما بالنسبة الى الجملة الثانية، فالمراد كفاية ‌ما اتى به بذلاً، والمراد فيها كفايته عن حجة الاسلام، ومعه لو حج الرجل عن غيره فانما سقط عن غيره الواجب من الحج، في فرض تمامية جهات الاستنابة هذا. ثم ان العمدة من الدليل علي كفاية الحج البذلي واجزائه عن حجة الاسلام ما دل على قيام الاستطاعة البذلية مقام الاستطاعة المالية نظير صحيحة علاء بن رزين عن ابي عبدالله (عليه السلام):

وهي ما رواه الصدوق في التوحيد بسنده الصحيح عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) قوله تعالى: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )؟ قال: يكون له ما يحج به... [6]

قلت: فمن عرض عليه فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع.[7]

وذلك: لان مقتضى الصحيح كغيرها من اخبار الباب تفسير الاستطاعة التي وقعت شرطاً لوجوب الحج في الاية الشريفة، بتقريب ان الاستطاعة في الآية هي ان يكون له ما يحج به، واذا عرض عليه ذلك لكان هو ممن يستطيع، ومقتضى هذا البيان التوسعة في مفهوم الاستطاعة بعمومها للاستطاعة البذلية كالاستطاعة المالية، فلسانها لسان الحكومة بالنسبة الى الآية الشريفة والاخبار الواردة في بيانها من شرطية الاستطاعة للحج.

ومثلها:صحيحة معاوية‌ بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام) بقوله (عليه السلام):

«فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم يفعل، فانه لا يسعه الا ان يخرج ولو على حمار اجدع ابتر».[8]

فانها صريحة بهذا التعبير في استقرار الحج على ذمته اذا لم يفعل.وكذا: ما رواه الصدوق باسناده عن هشام بن سالم عن ابي بصير قال:

سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول: «من عرض عليه الحج ولو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع للحج.»[9]

فان هذه الاخبار باجمعها تدل على وجوب الحج بالبذل وتحقق الاستطاعة به.وبما ان الحج واجب في تمام العمر مرة واحدة بمقتضى الاخبار والاجماع والضرورة فلا وجه لتوهم وجوب الحج على الاتي بالحج البذلي عند اليسار وعليه فالمسألة اي القول باجزاء ‌الحج البذلي مما لا كلام فيه ولا بحث.وانما البحث في هذه المسألة انما يكون في خلاف الشيخ فيما افاده في الاستبصار.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص19، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب3، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص57، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب21، ط آل البيت.
[3] مستند العروة الوثقي، الشيخ مرتضي البروجردي، ج1، ص180 و 181.
[4] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص19، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب3، ط آل البيت.
[5] من لا يحضر الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص423.
[6] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص34، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص33-34، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب3، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص41، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب10، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملي، ج11، ص42، أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب10، ط آل البيت.