درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/06/31

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

قال صاحب العروة:

«مسألة 35: لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعه البذليه. نعم، لو كان حالاً وكان الديان مطالباً مع فرض تمكنه من ادائه لو لم يحج ولو تدريجا ففي كونه مانعاً أو لا وجهان.»[1]

قال السيد الحكيم في المستمسك:

«ان الوجهين ينشئان من ملاحظة الأدلة الأولية المقتضية لنفي الاستطاعة السربية الشرعية، لوجوب الأداء المقتضي لوجوب الحضر حسب الفرض. ومن إطلاق كلمات الأصحاب: من أن الدين لا يمنع من الاستطاعة البذلية.»[2]

وأفاد السيد الخوئي في بيان منشأ الوجهين:«من إطلاق ادلة البذل ـ المقتضي لتقديم الحج ـ ومن لزوم اداء الدين المتقدم على الحج كما مرّ.»وتوضيحه:ان مقتضى ادلة اعتبار الاستطاعة البذلية افتراقها مع الاستطاعة المالية فان في الاخير يكون الدين مانعاً عن تحقق الاستطاعة بخلاف الاستطاعة البذلية، فان موضوعها عرض الحج عليه من ناحية غيره من دون اي توقف على تمكنه المالي، والدين انما ينافي تمكنه المالي المعتبر في الاستطاعة المالية، واما في البذل فان مع عرض الحج عليه يجب عليه القبول من غير توقف فيه على تمكنه المالي. ولذا عبر السيد الخوئي (قدس سره) عنه بإطلاق ادلة البذل حيث انه لم يقيد بتمكنه المالي الذي ينافي معه الدين.و إطلاق كلمات الاصحاب على ما في تعبير السيد الحكيم ناظر هذه الجهة اي ينشأ من اطلاق الادلة واستظهار تفريق الاستطاعة المالية عن الاستطاعة البذلية.

وفي القبال: انهما بينا وجه مانعية الدين عن تحقق الاستطاعة البذلية لزوم أداء الدين وهو مقدم على الحج وجوباً، فيجب عليه الحضر مقدمة لوجوب اداء دينه.

والمهم في هذا المقام اي في وجه مانعية الدين انه لو لم يؤثر حضره في اداء دينه بوجه، بل هو غير قادر على اداء دينه في وقته سواء صرف وقته الى وقت الاداء في السفر او في الحضر، او فرضنا انه قادر على اداء دينه في وقته بلا تأثيره لسفره للحج او حضره في أدائه. فهل الدين مانعاً عن الاستطاعة البذلية المفروض افتراقها مع الاستطاعة المالية وانه لم يؤخذ في موضوع الاول اي تمكن مالي له سواء كان لأداء دينه او لغير ضروريات معاشه كبيع الدار او المركب او غير ذلك وما افاده صاحب العروة (قدس سره): نعم لو كان الدين حالاً...لعله ناظر الي هذه الجهة.اما آراء الاصحاب في المسالة:

فأفاد الشهيد في المسالك: «ولا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين، او ملك ما يوفيه به. بل يجب الحج وان بقي الدين...»[3]

وقال الفاضل الهندي في كشف اللثام:

« واعلم أن الدين لا ينفي الوجوب بالبذل كما ينفيه بايهاب ما لا يفي به مع نفقة الحج والاياب والعيال....»[4]

وفي الجواهر ايضاً:

«ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وان منعه في غيره...»[5]

وافاد السيد الحكيم بعد نقل كلمات الاعلام:

«ونحوه كلام غيرهم وقد اشتهر هذا الاطلاق بينهم وفي المدارك بعد ما ذكر ذلك استدل عليه بإطلاق النص»[6]

والمستفاد من هذه الكلمات عدم مانعية الدين عن الاستطاعة البذليةكما يستفاد منها تغايرها مع الاستطاعة المالية على ما عرفت. والظاهر ان كلماتهم متفق عليه في ذلك اي عدم مانعية الدين الا ان مدعى السيد الحكيم مانعيته بقول مطلق حيث افاد:

« وقد عرفت: أن النص إنما يتعرض للمساواة بين البذل والملك، ولا يصلح للتعرض للشروط الأخرى - كالبلوغ، والعقل والحرية، والصحة في البدن وتخلية السرب عقلية كانت أو شرعية - بل كل منها باق بحاله، فإذا قلنا بعدم الوجوب لعدم تخلية السرب الشرعية لم يكن ذلك منافيا لاطلاق النص. وكلمات الأصحاب أيضا منزلة على ما هو المراد من النصوص. ومن ذلك يظهر: أن أقوى الوجهين أولهما.»[7]

واساس كلامه (قدس سره) ان من عليه الدين لا يتمكن من تخلية السرب الذي هو معتبر في تحقق الاستطاعة. وهذا المعنى وان يمكن قبوله في صورة تأثير حضره في الاداء كما سياتي البحث عنه الا ان من المشكل جداً الالتزام به على وجه مطلق اي حتى مع عدم تأثير حضره في الاداء وسياتي في ذلك مزيد كلام. ثم ان صاحب العروة (قدس سره) تبع الاعلام في الفتوى بعدم مانعية الدين عن الاستطاعة البذلية الا ان له مزيد كلام في ذلك حيث قال:«نعم لو كان حالاً وكان الديان مطالباً، مع فرض تمكنه من ادائه لو لم يحج ولو تدريجاً، ففي كونه مانعاً أو لا وجهان:»وظاهر هذا البيان الترديد في المانعية اذا كان لحضره وعدم الاتيان بالحج دخل و تأثير في اداء دينه ولو على نحو التدريج الا انه ذكر فيه شرطان.

1 – كون الدين حالاً.

2 – كون الديان مطالباً.

ومعنى ذلك انه لو لم يكن الدين حالاً او الديان مطالباً، فانه لا يمنع الدين عن الاستطاعة حتى مع تأثير حضره في ادائه في وقته.وهذا ما يكشف عن قوة القول بعدم مانعية الدين عن الاستطاعة البذلية عنده، وانه (قدس سره) حتى مع فرض تأثير الحضر وكون الدين حالاً والديان مطالباً لم يحصل له الجزم بمانعية الدين، بل بقى على التردد. وقد اختار المحقق النائيني (قدس سره) عدم مانعية الدين عن الاستطاعة البذلية حتى هذه الصورة اي فرض تأثير الحضر في الاداء وكون الدين حالاً والديان مطالباً. وافاد كاشف الغطاء (قدس سره) في حاشيته:«اوجههما العدم ـ اي عدم مانعية الدين – الا على القول بمانعية الضد»واما غيره من اعلام محشي العروة فصريحهم المانعية في هذه الصورة. قال المحقق العراقي (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة في المقام:« الأقوى تقديم أداء دينه لأن القدرة فيه شرط عقلي بخلافه في طرف حجه فينتهي فيهما الأمر إلى الدوران في تطبيق خطاب أيهما إلى التخصيص والتخصص ولقد عرفت أن التخصص أولى كما هو ظاهر وجهه»

فالتزم (قدس سره) بتقديم اداء الدين على وجوب الحج ووجهة نظره: ان القدرة المعتبرة في الدين القدرة العقلية بخلاف وجوب الحج حيث ان المعتبر فيه القدرة الشرعية ومع اشتغال ذمته بوجوب الاداء لا تتحقق القدرة الشرعية المعتبرة في وجوب الحج. وحسب تعبيره ان تقدم الحج يتوقف على التخصيص بخلاف تقدم الدين حيث انه من باب التخصص وعند دوران الامر بين التخصيص والتخصص يتقدم التخصص. واساس نظره في ذلك ان تقديم الحج يتوقف على التخصيص في ادلة وجوب اداء الدين وتقييدها بصورة عدم وجوب الحج بخلاف تقديم الدين، فانه لا يحتاج الى التخصيص في ادلة وجوب الحج لأنها بحسب اعتبار القدرة الشرعية فيها خارج عن عهدة المكلف عند اشتغال ذمته بوجوب الاداء تخصصاً.

وافاد السيد البروجردي (قدس سره) في الحاشية:«اقواهما الأول ـ اي كون الدين مانعاً ـ اذا كان لا يتمكن من ادائه مع الحج.»ومثله عن السيد الخوئي (قدس سره) حيث افاد:«الاظهر هو الاول وكذا الحال في غيره إذا كان السفر الى الحج منافياً لأدائه.»

ومثله ايضاً عن السيد الشيرازي بقوله: «اقواهما المنع» ـ اي مانعية الدين ـ وعن السيد الفيروز ابادي بقوله: «الاظهر انه مانع.»

وافاد السيد الخوئي في التقريرات:«ولكن الظاهر انه لا فرق في الدين بين الحال والمؤجل والمطالب وغيره كما كان كذلك في الاستطاعة المالية وان العبرة بالمزاحمة فان الاستطاعة لم يؤخذ فيه شيء زائداً على ان يجد ما يحج به او ان يبذل له الحج.

وما عدا ذلك يبقى تحت القواعد فان كان عليه دين مؤجل فضلاً عن الحال وتوقف ادائه على الاشتغال في أشهر الحج لكونها فصل الزراعة مثلاً بحيث لو اعرض وذهب الى الحج لم يتمكن بعدئذ من ادائه الدين، فكان الحج مستلزماً لتفويت مال الغير وان لم يكن حالاً فضلاً عن ان يكون مطالباً سقط عنه الحج تحصيلاً للقدرة على اداء حق الناس او تحفظاً عليها، وان لم يتوقف على ذلك بحيث لم تكن ثمة مزاحمة وجب عليه الحج من غير فرق في ذلك بين الاستطاعة المالية والبذلية»[8]

والتحقيق:ان ما تعرض له صاحب العروة (قدس سره) في ذيل الفرع صورة تمكن المديون من اداء دينه عند ترك الحج فتردد في مانعية الدين عن الحج مع التزامه بعدم المانعية في فرض عدم تمكنه من ذلك تبعاً للمشهور.وقد مرّ ان الاستطاعة البذلية يغاير الاستطاعة المالية بحسب ادلتها، وان عرض الحج من الغير يوجب تحقق الاستطاعة البذلية بلا اي توجه الى حيثياته المالية. بخلاف الاستطاعة المالية التي يعتبر فيها التمكن العرفي الذي يمانعه الدين. وبذلك نفترق مبنىً عما التزم به السيد الخوئي من عدم الفرق بين الموردين وان المعيار في كليهما التمكن من الزاد والراحلة فقط وقد عرفت بعض الكلام فيه. ومع غمض العين عن هذه الجهة فان نفس كون المبذول له مديوناً لا تمنع عن تحقق الاستطاعة بوجه لان الموضوع الاستطاعة البذلية عرض الحج وقد تحقق في الفرض ولذلك كان التزام المشهور بعدم المانعية في المقام مطابقاً للأدلة ومقتضى القاعدة.ولكن تمام الكلام في المقام انما يكون في مانعية الدين إذا كان الاتيان بالحج مزاحماً لواجب الاداء بمعنى ان الرحيل الى الحج انما يوجب عدم تمكن المديون من الاداء في وقته بان يكون سفره موثراً في عدم تمكنه من الاداء. ولذا نرى ان صاحب العروة في مقام تحرير المسالة يؤكد على فرض تمكنه من الاداء لو لم يحج ولو تدريجاً. وهذا ما اكد عليه السيد الخوئي(قدس سره) ويدور عليه مدار حاشية السيد البروجردي بقوله اقواهما المانعية ان كان لايتمكن من اداء الدين مع الاتيان بالحج.

 


[1] العروة الوثقي-جامعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی اليزدی، ج4، ص400.
[2] مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص133.
[3] مسالک الأفهام، الشهيد الثانی، ج2، ص133.
[4] كشف اللثام، المحقق الاصفهانی، ج5، ص103.
[5] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ج17، ص266.
[6] مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص134.
[7] مستمسك العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص134.
[8] مستند العروة الوثقي، الشيخ مرتضي البروجردي، ج1، ص170 و 171.