درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/12/12

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وتحقيق ذلك:

أن الكلام تارة: في الحكم الواقعي، وهو ثبوت الوجوب واقعا بتحقق البذل واقعا.

وأخرى: في الحكم الظاهري، وهو ثبوت الوجوب ظاهرا بثبوت موضوعه ظاهرا.

فإن كان الكلام في الأول، فلا ينبغي التأمل في أن النصوص والفتوى متفقة على ثبوت الوجوب بمجرد البذل واقعا، ولا دخل للوثوق ولا للعلم فيه.

وإن كان الكلام في الثاني، فالظاهر أن اللازم العمل بما تقتضيه الطرق العقلائية، ولا يختص ذلك بالوجوب بالبذل، بل يجري في الوجوب بالاستطاعة المالية، فإنه لا يتحقق الوجوب الظاهري إذا لم تقم الطرق العقلائية على بقائها. فإذا احتمل المستطيع زوال استطاعته - بموته، أو موت دابته، أو سرقه ماله، أو وجود سيل أو عدو مانع عن عبوره، أو نحو ذلك مما يمنع من بقاء استطاعته - لا يسقط الوجوب عنه، وإن لم يكن الوثوق بخلافه، فكذا في المقام.

وفي الجميع يسقط الوجوب مع الوثوق بحصوله. فلا فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية من هذه الجهة، ولا يعتبر الوثوق بالبقاء فيهما، بل يعول على الأصول العقلائية، مثل: أصالة السلامة، وبقاء المال، وعدم وجود الحائل، وعدم طروئه، وبقاء البذل، ونحو ذلك، والجميع على حد واحد.

ولو حصل الوثوق بحصول الموانع من بقاء الاستطاعة سقط الوجوب الظاهري، لكن الوجوب الواقعي بحاله، لحصول موضوعه. فلو حصل الوثوق بالمانع فلم يسافر وانكشف الخلاف، انكشف ثبوت الوجوب واقعا واستقر الوجوب عليه، كما لو اعتقد أنه فقير لا مال له وتبين بعد ذلك أنه غني مستطيع، كما تقدم في المسألة الخامسة والعشرين.

نعم إذا كان خوف على النفس كان السفر حراما، فلا يكون مستطيعا واقعا لحرمة السفر. أما إذا كان الخوف على غير النفس، فلأجل أنه لا يحرم السفر لا يخرج به عن كونه مستطيعا واقعا، إذا لم يكن مانع واقعا من بقاء الاستطاعة.

بل الظاهر أنه لا فرق بين المستطيع ابتداء ومن استقر عليه الحج، فإنه في السنين اللاحقة وإن كان يجب عليه الحج متسكعا، لكن لا يجوز له السفر مع خوفه على النفس، ولا يجب عليه مع وثوقه بوجود الموانع عن الوصول.

والوجه الذي ذكر - في المدارك وغيرها - لاعتبار الوثوق إن تم اقتضى اعتبار الوثوق ببقاء الباذل وقدرته على البذل، ولا يختص باعتبار الوثوق ببقاء البذل، كما يقتضي أيضا اعتبار الوثوق في الاستطاعة المالية.

فإذا التحقيق ما ذكرنا، وأنه لا يعتبر الوثوق ببقاء البذل، بل يكفي - في ثبوت الوجوب ظاهرا - قيام الطرق العقلائية في البقاء، من دون فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية.»[1]

ويمكن ان يلاحظ على ما افاده (قدس سره):اولاً:

انه يعلم ان مراده (قدس سره) من اصالة االفسخ في ذيل مسالة 27 ليس استصحاب عدم الفسخ بالاستصحاب الاستقبالي كما كان ظاهر كلامه هناك.

بل مراده اصالة عدم الفسخ عقلاً، كما اكد في تحقيقه بان العقلاء كما يُعَوّلون على اصالة السلامة واصالة بقاء المال واصالة عدم وجود الحائل وعدم طروئه وامثال ذلك، فلا محالة يُعَوّلون في مثل المقام على اصالة عدم الفسخ.

وبناء عليه فان الوثوق بالفسخ او بعدمه وان كان لا يضر بجريان الاستصحاب المذكور بناءً على مسلك المشهور الا انه ذا أثر في هذه البناءات من العقلاء كما انه (قدس سره) قد نبه بان الوثوق بالخلاف في هذه الموارد انما يمنع عن وجوب الحج ظاهراً لاعن وجوبه واقعاً كما قرره.

والنكتة هنا انما تكون في انه هل يكون البناء على عدم الفسخ او البناء على بقاء الباذل على بذله نظير البناء على السلامة وبقاء المال وعدم وجود الحائل وامثاله؟

وان العقلاء هل يرون انفسهم في مثل المقام مستطيعاً بالبناء على عدم الفسخ او بقاء الباذل على بذله ام لا؟

وذلك: لان في مثل الملكية المتزلزلة فان التصرف في المال تعريض للخسران فانه لو فسخ لكان عليه عدد العوض وضمانه باتلافه وربما كان له في ذلك مشقة وحرج.

وكذلك الكلام في الاستطاعة المتصورة بقول الباذل وهذا بخلاف اصالة السلامة واصالة بقاء المال وعدم سرقته.

فان احتمال الخلاف في هذه الموارد لوكان مانعاً لمنع عن جميع تصرفاتهم في معاشهم ولكنهم لايبادرون على ما يتحمل الضرر باحتمال عقلائي الا اذا حصل لهم الوثوق بعدم لزومه.

وهذا ما افاده السيد صاحب العروة (قدس سره) الا اذا كان واثقاً بانه لايفسخ.

فلايتم قياس المقام ببنائهم على بقاء السلامةظ وبقاء المال او بقاء مالية المال وامثاله بل بينهما تفاوت في سيرتهم وبناءاتهم.

 


[1] مستمسك العروة الوثقي-ط بيروت، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص129 و 131.