درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/12/11

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وذهب جماعة‌ من اعلام محشي العروة الى ان الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة، ملكية معلقة بعدم الفسخ فتكون مراعى بعدم الفسخ، وبتبعه تكون الاستطاعة ايضاً مراعى، فان لم يفسخ فيما بعد استقرت والا كشف عن عدم تحققها.

قال السيد الاصفهاني (قدس سره):«كونها مراعي بعدم الفسخ لا يخلو من قوة، فان فسخ قبل تمام الأعمال كشف عن عدم الإستطاعة»وافاد السيد الخوانساري (قدس سره):« كونه مراعى بعدم الفسخ لا يخلو من قوة فإن فسخ قبل تمام الأعمال كشف عن عدم الاستطاعة وكذا لو فسخه بعد إتمام الحج كشف عن عدم كونه حجة الإسلام.»

وكذا عن غيرهما.

وظاهر هذا القول كون الاستطاعة محققة الا انها تكون مشروطة بشرط متاخر وهو عدم الفسخ وان عدم الفسخ في المستقبل انما يكشف عن تحقق الاستطاعة واقعاً بمجرد المصالحة او غيرها من المعاملات، وعليه فاذا اتى بالحج في حالها، اي في ظرف الاستطاعة المزبورة وأتفق عدم الفسخ بعده، فانما اتى بالحج عن استطاعة، ولازمه كفايته عن حجة الاسلام، وان اتفق الفسخ بعد ذلك، فانما اتى به من غير استطاعة فلا يكفي عنها.

وهذا هو نقطة الخلاف بين هذا القول ومختار صاحب العروة (قدس سره) حيث ان بناء على مختاره في المقام انه لو اتى بالحج بعد المصالحة واتفق عدم الفسخ في المتأخر، فانه لا يكفي عن حجة الاسلام لان ما حصل من المصالحة المزبورة بمجردها لا يوجب تحقق الإستطاعة بعد فرض تزلزلها بامكان الفسخ بعدها.

وقد افاد السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك في ذيل قول صاحب العروة (قدس سره): «اقواهما العدم ـ اي عدم كفاية الملكية المتزلزلة في تحقق الاستطاعةـ لانها في معرض الزوال...»

«هذا إنما يصلح تعليلا للحكم إذا كانت الاستطاعة لا تقبل التزلزل أما إذا كانت تقبله - ضرورة أن كل شئ موجود في معرض الزوال، وكل وجود في معرض الانتهاء - فلا يصلح كون الملكية في معرض الزوال لنفي الاستطاعة، واللازم البناء على تحقق الاستطاعة واقعا إذا لم يفسخ ذو الخيار.

كما أنه لو فرض عدم الخيار لم يكن مستطيعا إذا طرأ ما يوجب الخيار ففسخ، فالمدار يقتضي أن يكون على الواقع.

والتزلزل والوثوق بعدم الفسخ لا دخل لهما في حصول الاستطاعة وعدمها، فإذا لم يحج في الحال المذكورة فانكشف أنه لم يفسخ ذو الخيار انكشف أنه مستطيع واقعا نظير ما لو كان عنده مقدار الاستطاعة، ولم يمكنه الفحص عنه فلم يحج ثم انكشف أنه مستطيع.

هذا في مقام الواقع.

وأما في مقام الظاهر: فيحتمل الرجوع إلى أصالة عدم الفسخ، فيثبت ظاهرا أنه مستطيع، ويحتمل اعتبار الوثوق بعدم الفسخ.

لكن الأول ـ الرجوع الي اصالة عدم الفسخ ـ أوفق بالقواعد. واعتبار الوثوق في العمل بالأصل لا دليل عليه.

اللهم إلا أن يقال: إذا لم يكن واثقا بعدم الفسخ يكون تكليفه بصرف المال - المؤدي إلى ضمانه عند الفسخ - تعريضا إلى الخسران.

وفيه: أن ذلك لا يمنع عن العمل بالأصول. وسيأتي في مبحث البذل ما له نفع في المقام.»[1]

والنقطة الاساسية في كلامه (قدس سره) مضافاً الى ما افاده القائلون بهذا القول ـ اي تحقق الاستطاعة مراعى ـ التوجه الى مقام الظاهر، لانه بناء على هذا القول كانت الاستطاعة مشروطة بشرط متأخر يمكن ان يتحقق ويمكن ان لا يتحقق ولامشخص له الا في مقام الواقع فان لم تنفسخ المعاملة فانما يكشف عن تحقق الاستطاعة ومع فسخها يستكشف عدم تحققها.

فانه (قدس سره) افاد بالنسبة الى مقام الظاهر بانه يمكن القول يتحقق الاستطاعة في المقام ظاهراً مستنداً باصالة عدم الفسخ، لانه كان شاكاً في بقاء المعاملة وفسخها فتجري اصالة عدم الفسخ.

والظاهر هو ان مراده الاستصحاب الاستقبالي بتقريب ان المصالحة او المعاملة مثلها كانت متحققة في الحال وانما يشك في بقائها متاخراً فيبني على بقائها وعدم فسخها.

كما افاده (قدس سره) ان في جريان الأصل المذكور لا يعتبر الوثوق بالبقاء، لان مجرى الاصل الشك في البقاء ولا ينقصه الا العلم بالفسخ. كما ان احتمال ابتلائه بالضمان في فرض الفسخ المستلزم لاقدامه وتعويضه للخسران اذا قلنا بوجوب الحج عند تحقق الاستطاعة المتزلزلة في المقام لا يضر ايضاً بجريان الاصل المذكور.

وقد افاد (قدس سره) في مسالة 34 في ذيل قول صاحب العروة في مباحث الحج البذلي ووجوب بالبذل: «... والقول بالاختصاص ـ اختصاص حصول الاستطاعة ـ بصورة التمليك ضعيف... وكذا القول بالاختصاص بما اذا كان موثقاً به.»

«ذكره جماعة، قال في المدارك:"نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل، لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس، المستلزم للحرج العظيم والمشقة الزائدة، فكان منفيا. "[2]

وقد اشار اليه في الدروس في عبارته المتقدمة. وفي الجواهر قال:

" نعم قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر والخطر عليه، وللشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه، بل لعل ذلك كذلك وإن وجب على الباذل، بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه، ضرورة أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر إلى الموانع الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها، كما هو واضح، ولا ريب في أن المتجه ما قلنا عملا باطلاق النص والفتوى ومعاقد الاجماعات، مضافا إلى تحقق الاستطاعة بذلك."[3]

 


[1] مستمسك العروة الوثقي-ط بيروت، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص113 و 114.
[2] مدارك الاحكام، السيد محمدعلی الموسوی العاملي، ج7، ص46.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهری، ج17، ص266.