درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

قال صاحب العروة:

«مسألة 26: إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا، فإن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا وتخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام، لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق. وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها، وإن كان حجه صحيحا وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثم غفل عن ذلك، وأما لو علم بذلك وتخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزي، لأنه يرجع إلى التقييد.»[1]

والظاهر انه عدل هنا عما افاده في مسألة 9 من مباحث الحج الصبي، قال هناك:« إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا، فبان بعد الحج أنه كان بالغا، فهل يجزي عن حجة الإسلام أو لا ؟

وجهان، أوجههما الأول. وكذا إذا حج الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب ثم ظهر كونه مستطيعا حين الحج.»[2]

فاختار هناك الاجزاء، واختار في المقام التفصيل المزبور.

ثم ان محور البحث في هذه المسألة هو انه اذا كان مستطيعاً، وكان لا يعلم استطاعته او كان غافلاً عنها، فاتفق امكان الاتيان بالحج له فاتى به ولكنه حيث يعتقد عدم استطاعته، وان الامر بالحج المتعلق بغير المستطيع فأتى به بقصد الامر الندبي.

فأفاد صاحب العروة (قدس سره) بانه اذا قصد الأمر المتوجه اليه في حجه، وتخيل انه هو الأمر الندبي، فانه يجزي عن حجة ‌الاسلام لرجوعه الى الاشتباه في التطبيق.

واذا قصد الامر الندبي بما انه امر ندبي بمعنى انه نوى الإتيان بالحج ندباً امتثالاً للامر الندبي المتوجه اليه بما انه امر ندبي، فانه لا يجزي ما اتى به عن حجة الإسلام.

لرجوعه الى التقييد، اي الاتيان بمتعلق الامر الندبي على وجه التقييد.

وهنا اقوال: قال السيد الحكيم في المستمسك:

« لا يخفى أن الاشكال في أمثال هذا المورد ليس في مجرد قصد الأمر الندبي مع أن المتوجه إليه قصد الأمر الوجوبي، بل في قصد غير المأمور به، فكيف يجزي عن المأمور به، بناء على ما يأتي: من أن الحج الاسلامي غير الحج الندبي ؟

وحينئذ لا مجال للحكم بالاجزاء، إلا إذا كان الاشتباه في التطبيق بالنسبة إلى الأمر والمأمور به معا.

وقد تقدم في المسألة التاسعة، ما له نفع في المقام.»[3]

ومراده المسألة التاسعة في بحث حج الصبي فيما اذا حج باعتقاد انه غير بالغ ندباً، فبان بعد الحج كونه بالغاً، فهل يجزي ما اتي به من حجة الاسلام ام لا؟

حيث قال صاحب العروة هناك: فيه وجهان، أوجههما الاول ـ اي الاجزاء ـ وكذا اذا حج الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة‌ بنية الندب، ثم ظهر كونه مستطيعاً حين الحج، فالتزم صاحب العروة فيها بالاجزاء اذا اعتقد عدم استطاعته واتي بالحج بنية الندب، فيكفي عن حجة الاسلام. وقال السيد الحكيم (قدس سره) هناك:

الاشكال في الصحة في هذه المسألة من وجهين: الأول:

إن حجة الاسلام تختلف مع غيرها من أنواع الحج بالخصوصيات الداخلية، نظير الاختلاف بين صلاة الصبح ونافلة الصبح، فالحج مع فقد بعض الشرائط ليس حج الاسلام وليس بواجب، والحج مع الشرائط حج الاسلام وهو واجب، فإذا حج - بعد ما حج حجة الاسلام - كان حجه غير حجة الاسلام، فالاختلاف بينهما بالخصوصيات الداخلية.

وحينئذ فإذا نوى حجا غير حجة الاسلام كيف تصح حجة الاسلام مع عدم النية ؟ ! نظير ما لو نوى العصر - باعتقاد أنه صلى الظهر - فتبين أنه لم يصل الظهر فإنها لا تصح ظهرا، فإذا صحت ظهرا فقد صحت بلا نية.

الثاني: من وجهي الاشكال:

أنه إذا نوى الأمر الندبي ولم ينو الأمر الوجوبي، لم يتحقق امتثال الأمر الوجوبي بقصد امتثال غيره، فلا موجب لسقوطه.

والتحقيق:

أن القيود التي تذكر في موضوع الامتثال العبادي اشتباها تارة: تلحظ بما هي، وأخرى: تلحظ طريقا ومرآة إلى غيرها.

والأولى تارة: تكون ملحوظة على نحو وحدة المطلوب، وأخرى: على نحو تعدد المطلوب، فإن لوحظت بما هي على نحو وحدة المطلوب بطلت العبادة، لفوات القصد إلى الواقع، لمنافاة قصد القيد - ولو اشتباها - إياه. ففي فرض المسألة إذا لوحظ قيد الحج الندبي والأمر الندبي فقد فات قصد الحج الاسلامي والأمر الوجوبي، فلا مجال للصحة.

وإن لوحظت على نحو تعدد المطلوب فإن كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين الأقل والأكثر صحت العبادة.

كما إذا اعتقد أن الحج الاسلامي شرع في مكة - مثلا - اشتباها، فقصد الحج الاسلامي المشرع في مكة على نحو تعدد المطلوب، لم يقدح ذلك في صحة امتثال أمر الحج الاسلامي إذا كان قد شرع في المدينة، لأن فوات القيد المذكور - الذي قصد اشتباها - لا يقدح في قصد الحج الاسلامي، بعد ما كان التقييد على نحو تعدد المطلوب.

وإن كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين لم يصح الامتثال، فإن تعدد المطلوب إنما يقتضي وقوع القصد على ذات المقيد حتى على تقدير انتفاء القيد، ولا يقتضي وقوع القصد على القيد المباين.

ففي المقام إذا قصد الحج غير الاسلامي والأمر الندبي على نحو تعدد المطلوب، فقد تعلق القصد بذات الحج وبذات الأمر، لكن لم يتعلق بالحج الاسلامي ولا بالأمر الوجوبي.

ولو بني على عدم اعتبار قصد الوجوب والندب يكون البطلان مستندا إلى عدم قصد خصوصية الحج الاسلامي فإنه لا بد من قصدها في تحقق العبادة، فينحصر تصحيح الحج الاسلامي - في الفرض - بصورة ما إذا كان قصد الحج غير الاسلامي بعنوان كونه عبرة ومرآة إلى الحج الاسلامي، فيكون الحج الاسلامي مقصودا بالأصالة ولو إجمالا.

ومن ذلك يظهر أنه - مع تباين القيود الواقعية والخطئية - ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو المرآتية والطريقية، ومع عدم التباين وكونها من قبيل الأقل والأكثر ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو تعدد المطلوب، فإذا لوحظ بنحو وحده المطلوب تعين البناء على البطلان.

ومن ذلك يظهر أنه في اطلاق الصحة في كلام المصنف ( ره ) نظر، وكان اللازم التفصيل في المسألتين على النحو الذي ذكرنا.»[4]

وقد افاد السيد الخوئي(قدس سره)– ناظراً الى ما افاده (قدس سره)– هناك:

«أشرنا غير مرة في مطاوي هذا الشرح الى ان الواجب العبادي لا يحتاج في تحققه الى ازيد من قصد نفس الفعل مع الاضافة الى المولى نحو اضافة، ولا يفتقر الى قصد الوجه من الوجوب او الندب.

هذا، فيما إذا كانت الذات متميزة عما عداها، واما إذا كانت مشتركة مع غيرها في الصورة وان كانت مباينة في الحقيقة، وانما يكون الامتياز بالقصد، كما في الاداء والقضاء والفريضة والنافلة والظهر والعصر ونحوهما مما لا تفترق احداهما عن الأخرى في صورة العمل، ولا تمتاز الا بالعنوان الخاص المتلبس به كعنوان الظهر او القضاء‌ مثلاً.

ففي مثله لا محيص من تعلق القصد بذلك العنوان ايضاً، رعاية لتحقق ذات المأمور بها، فلو اتي بذات الركعتين عارية عن قصد الفريضة او النافلة او بذات الاربع من غير قصد الظهر ولا العصر لم تقع امتثالاً لشيء منهما، لعدم ترجيح في البين بعد عدم تعلق القصد بشيء من العنوانين.

وبالجملة:

ففي العناوين القصدية لا مناص من تعلق القصد بالعنوان بخصوصه ولو بالإشارة ‌الإجمالية والنية الارتكازية.

ومن ثم لو كانت الذمة مشغولة ‌بالصلاة الأدائية فقط فتخيل اشتغالها بالقضائية‌ فنواها، ثم انكشف الخلاف بطلت صلاته ولم تكن مجزئة عن الادائية. لان ما قصد لم يقع وما هو الواقع لم يقصد.

ولو كان جنباً فتخيل انه ماسّ للميت فنوى غسل المس او بالعكس لم يكن مجزياً ايضاً على ما فصلنا الكلام حول ذلك مستقصى في مبحث الاغسال.

وقلنا: انها حقائق متباينة وطبائع متعددة، ولا بد من تعلق القصد بكل حقيقة بخصوصها، فلو كانت الذمة مشغولة بإحداها دون الأخرى فقصد ما لم تشتغل به الذمة لا يكون ذلك مجزياً عما اشتغلت، لما عرفت من ان ما قصد لم يقع وما هو الواقع لم يكن مقصوداً.

وعلى ضوء ذلك يتوجه الاشكال في المقام:

حيث ان حجة الاسلام التي بنى عليها الإسلام لها عنوان خاص به صارت طبيعة خاصة، في قبال سائر اقسام الحج من حج الصبي والمتسكع ونحوهما.

فلو تخيل الحاج عدم بلوغه فنوي ـ بطبيعة الحال ـ حجاً غير حجة الاسلام، ثم بان بعد الحج انه كان بالغاً، او حج باعتقاد عدم الاستطاعة فبان كونه مستطيعاً، فهل يجزي ذلك عن حجة الاسلام أو لا، وكذا الكلام في عكس ذلك، فهل يصح حجه مع انه نوى مالا واقع له أو لا؟

فمناط الاشكال:

ليس افتقاد قصد الوجه والاخلال بنية الوجوب والاستحباب، فان المحقق في محله عدم اعتباره.

بل الاشكال:

متمحض في حيثية الاخلال بقصد العنوان المتقوم به الذات، وعدم تعلق النية بحجة الاسلام بعنوانها، فقد نوى ما لا واقع له، ولم يكن ناوياً لما هو الواقع.

وقد أشرنا غير مرة في امثال هذه المقامات، الى ان الصحة والفساد يتبعان كيفية تعلق القصد بتلك الخصوصية التي لا واقع لها.

فان كانت ملحوظة على سبيل الموضوعية وبنحو التقييد كما في ناوي القضاء‌ بزعم فراغ الذمة عن الاداء، بطلت العبادة فيما لم يكن عليه قضاء‌ لما عرفت من الاخلال بما هو المقوم للذات من قصد العنوان الخاص.

وان كانت ملحوظة على سبيل الطريقية، فكان ناوياً للأمر الفعلي، فاشتبه وتخيل انه كذا فبان غير كان من باب التخلف في الداعي والخطأ التطبيق.

كما لا يبعد ان يكون الحج من هذا القبيل، حيث ان الحاج ينوي حج هذه السنة والامر الفعلي المتوجه اليه المتعلق به في هذا العام.

غايته: انه كان يعتقد عدم اتصافه بحجة الاسلام، وانه حج منه دب لتخيل عدم بلوغه فينكشف خلافه، فمثله محكوم بالصحة؛ لتعلق القصد لدي التحليل ولو اجمالاً بعنوان حجة الاسلام، وان لم يلتفت اليه تفصيلاً، وهو كاف في الصحة جسما عرفت.»[5]

 


[1] العروة الوثقي-جامعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی اليزدی، ج4، ص388 و 389.
[2] العروة الوثقي-جامعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی اليزدی، ج4، ص352 و 353.
[3] مستمسك العروة الوثقي-ط بيروت، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص112.
[4] مستمسك العروة الوثقي-ط بيروت، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص33 و 34.
[5] مستند العروة الوثقي، الشيخ مرتضي البروجردي، ج1، ص55 و 57.