درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وقال في الجواهر بالنسبة الي بيع الثياب:« و كيف كان ف‌لاتباع ثياب مهنته بالفتح والكسر أي ما يبتذله من الثياب، لأن المهنة الخدمة وعدم بيعها في حج الاسلام لا أجد فيه خلافا، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الاجماع على استثناء ثياب بدنه التي يدخل فيها ثياب التجمل اللائقة بحاله زمانا ومكانا فضلا عن ثياب المهنة، كاطلاق الثياب في الدروس ومحكي التحرير.

وهو الحجة مضافا إلى ما فيه من العسر والحرج، وأن الشارع استثناها في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق، وإلى فحوى ما تسمعه من خبر أبي الربيع الشامي الذي فسر السبيل فيه بالسعة بالمال.»[1]

والمستفاد منه ان الدليل علي الاستثناء الثياب اجماع الاصحاب كما في المعتبر والمنتهي والتذكرة، وصرح (قدس سره) بأنه الحجة مضافا الي استلزام بيعها للحج العسر والحرج.وقياسه بمورد الدين حيث ان الثياب مستثني من الدين، فإذا كان هذا الاستثناء ثابتاً الي دين الناس فكذلك في دين الله اي الالزام بالحج.وفحوي رواية ابي الربيع الشامي: وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن خالد بن حرير عن ابي الربيع الشامي قال: سئل ابوعبدالله عن قول الله عزوجل (ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً)؟ فقال: ما يقول الناس؟

قال: فقلت له: الزاد والراحلة، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا ؟ فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له: فما السبيل ؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من من يملك مائتي درهم.

ورواه المفيد في المقنعة عن ابي الربيع مثله، الا انه زاد بعد قوله ويستغني به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك اذاً.

ورواه الصدوق باسناده عن ابي الربيع الشامي.[2]

ووجه الاستدلال بفحواه، ان من له السبيل الي الحج من كان يقدر علي تأمين معاشه في مسير الحج وبعد الرجوع عنه، بحيث لا يحتاج الي الناس بعد رجوعه في تأمين معاش عائلته علي نحو السعة دون الضيق عليه وعليهم.وأن بيع ثياب المهنة اوثياب البدن ولوثياب التحمل اللائقة بحاله ينافي السعة المذكورة في كلام الامام (عليه السلام)، وتعبير بأن الناس قدهلكوااذا، اراد من السبيل التمكن من الزاد والراحلة صرفاً دون هذه الجهات.وقدمر الكلام في سند هذه الرواية، من ان خالد بن جرير لا توثيق له، نعم هو من مشايخ ابن محبوب، والمراد هو الحسن بن محبوب، الذي هو من اصحاب الاجماع، وإن ابي الربيع الشامي، وهو خليد او خالد بن اوفي لا توثيق له ايضاً، نعم روي عنه منصور بن حازم، ويونس بن عبدالرحمن، فالرواية غير تامة من جهة السند، من حيث عدم ثبوت توثيق روايتها من جهتهما، الا ان هذا المعني مذكور في رواية اخري، ولا بأس بالاستشهاد بها لولم يتم الاستدلال بها.بل لا يبعد تمامية هذا الاستدلال بضم صحيحة‌ ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام).

وهي ما رواه الكليني عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عز وجل: " ونحشره يوم القيمة أعمى " قال: قلت: سبحان الله أعمى ! قال: نعم إن الله عز وجل أعماه عن طريق الحق.[3]

لأنها صريحة في اعتبار الايسار في الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج، والايسار هو عبارة اخري عن السعة في المال في رواية ابي الربيع الشامي.

وكذا قوله (عليه السلام): لما سئل عن قول الله عزوجل «ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً» قال: ذلك القوة في المال واليسار.

قال: فإن كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال: نعم الحديث.

في رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبدالله (عليه السلام).وكذا ان مع ملاحظة معني اليسار في هذه الاخبار، واشتمال روايات اخري معتبرة عليها، فلا بأس بهذا الاستدلال وإن كان الاستناد في ذلك برواية ‌ابي الربيع الشامي قابل للنقاش، ولعل استدلال صاحب الجواهر بفحواها من جهة ‌صراحتها في المعني المذكورة، خصوصاً مع كون مورد الاستدلال احد مصاديق اليسار في حقه، وإن كان يظهر منه (قدس سره) ان عمدة الوجه عنده في المقام هو الاجماع.وافاد ايضاً:« بل و من ذلك كله يعلم أنه لا يباع خادمه ولا دار سكناه للحج أيضا كما صرح به غير واحد، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الاجماع عليه، بل في الأخير دعواه على استثناء فرس ركوبه، وإن قال في كشف اللثام: لا أرى له وجها، فإن فرسه إن صلح لركوبه إلى الحج فهو من الراحلة، وإلا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه، وإنما يفتقر إلى غيره، ولا دليل على أنه حينئذ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم إلا بثمنه، لكن لعل وجهه ما عرفت، خصوصا بعد استثنائه في الدين. نعم في الدروس وعن الشيخ إلحاق حلي المرأة بحسب حالها في زمانها ومكانها بالثياب، وهو مشكل لعدم الدليل، كالاشكال في استثناء كتب العلم على الاطلاق، وإن كان هو متجها في التي لا بد له منها فيما يجب عليه تحصيله أو العمل به، لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، ومنه يعلم ما في إطلاق ابن سعيد والتحرير، فعن الأول أنه قال: " لا يعد في الاستطاعة لحج الاسلام وعمرته دار السكنى والخادم، ويعتبر ما عدا ذلك من ضياع وعقار وكتب وغير ذلك ". والثاني أنه أطلق بيع ما عدا المسكن والخادم والثياب من ضياع أو عقارا وغيرهما من الذخائر. ومن هنا قيد ذلك في محكي المبسوط والمنتهى والتذكرة بما له منه بد، ولعله لنفي الحرج والضرر والعسر وسهولة الملة وإرادة الله اليسر وغير ذلك. وإليه أو ماء في المدارك حيث إنه - بعد أن ذكر عن المنتهى إجماع العلماء على استثناء المسكن والخادم وأنه فيه ألحق بذلك فرس الركوب وكتب العلم وأثاث البيت من فراش وبساط وآنية ونحو ذلك - قال: ولا ريب في استثناء جميع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك، لما في التكليف ببيعه مع الحاجة الشديدة إليه من الحرج المنفي، ونحوه غيره ممن تأخر عنه، فما في الدروس من التوقف في استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع لا يخلو من نظر، ولو زادت أعيانها عن قدر الحاجة وجب بيعها قطعا كما في الدروس وغيرها، بل الأقوى وجوب البيع لو غلت وأمكن بيعها وشراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها كما صرح به في التذكرة والدروس والمسالك وغيرها، لما عرفت من أن الوجه في استثنائها الحرج ونحوه مما لا يأتي في الفرض، لا النص المخصوص كي يتمسك باطلاقه. فما عن الكركي من عدم وجوب الاستبدال إذا كانت لائقة بحاله لا يخلو من نظر مع فرض كون الأدون لائقا أيضا، وإن احتمله في كشف اللثام ومحكي التذكرة، لأنه كالكفارة، ولعدم زيادة العين عن الحاجة، وأصالة عدم وجوب الاعتياض والحرج، والجميع كما ترى، مع أنه قد يفرق بين الكفارة والحج بأن العتق فيها له بدل بخلاف ما هنا، فتأمل جيدا. ومن لم يكن له هذه المستثنيات استثني له أثمانها كما في الدروس والمسالك وغيرهما، واستجوده في المدارك إذا دعت الضرورة إليه.

وهو كذلك، أما مع الاستغناء عنها أو عن بعضها باستيجار ونحوه ووثق بحصوله عادة ولم يكن عليه في ذلك مشقة فمشكل، وإن كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالأوقات العامة وشبهها، بل في الدروس القطع بذلك، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين، لكن لو فعل احتمل تحقق الاستطاعة، والله العالم.[4]

والمستفاد منه توجيه استثناء بيع الخادم ودار السكنى بما مر منه في استثناء بيع الثياب و هو الاجماع عن المعتبر والمنتهى و التذكرة، وما فيه من العسر والحرج وفحوى رواية ابي الربيع، واستثنائهما من الدين.و قرر (قدس سره) هذه الوجوه دليلاً على استثناء فرس ركوبه ايضاً وافاد في جواب مقالة كاشف اللثام القائل بانه لا ارى فيه وجهاً: ولعل وجهه ما عرفت خصوصاً بعد استثنائه من الدين.وصريح صاحب الجواهر (قدس سره) في مقام الاستدلال باستثنائها. الاستناد بالاجماع، و الرواية، وتنظير الموارد بموارد الاستثناء من الدين.نعم، من جملة ما استدل به بتعبيره «مضافاً» ادلة العسر والحرج.هذا ولكن في غير هذه الموارد مثل حلي المرأة والحاقه بالثياب وكتب العلم باطلاقها له تأمل واشكال، كما انه تامل في اطلاق كلام العلامة في التحرير و ابن سعيد الحلي من عدم استثناء غير السكني و الخادم، و الثياب ـ في كلام العلامة ـ وايده بمحكي المبسوط وقول العلامة في المنتهى والتذكرة، من ان المستثنى في المقام ما لا بد منه، دون ماله منه بدٌ و استظهر (قدس سره) بان وجهه نفي الحرج وادلة التسهيل وما دل على اليسر وبنى على هذا الاساس صاحب المدارك تعميم الاستثناء بكتب العلم والاثاث مستدلاً بان في التكليف ببيعه مع الحاجة الشديدة اليه الحرج المنفي.و عليه فان استدلال صاحب العروة في المقام بادلة نفي الحرج مأخوذ من هذه الكلمات، وظاهره استثناء ماله اليه الحاجة الشديدة. وقد عمم هذا العنوان بجميع المذكورات في المتن مثل آلات الصنائع المحتاج اليها في معاشه، كما ذكر من المستثنيات فرس ركوبه مع الحاجة اليه وكذا خادمه المحتاج اليه والفراش والاواني المحتاج اليها، وكذا سلاحه وغير هذه الموارد مما هو يحتاج اليه في معاشه، ولاجل حاجته اليها لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر والحرج.فالمعيار في استثناء‌ هذه الموارد الحاجة اليها في معاشه، والحاجة ‌وان قيدت في كلام صاحب المدارك بالحاجة الشديدة، الا انه لم يقيدها صاحب العروة (قدس سره)، لان العبرة فيها بالتعارف وما يحتاج اليه في معاشه حسب التعارف المختلف زماناً ومكاناً، وشأناً لا تكليف ببيعها لاجل الحج، ومع فرض الحاجة بهذا المعنى فلا محالة يكون التكليف ببيعها مما يستلزم العسر والحرج المنفيين في الشريعة.

 


[1] جواهر الكلام، الشيخ محمد الحسن النجفي الجواهری، ج17، ص252.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحرالعاملی، ج11، ص37، باب9، أبواب وجوب الحج وشرائطه، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحرالعاملی، ج11، ص27، باب6، أبواب وجوب الحج وشرائطه، ط آل البيت.
[4] جواهر الكلام، الشيخ محمد الحسن النجفي الجواهری، ج17، ص253 و 254.