درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/02/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

وما افاده السيدالخوئي (قدس سره):«فالانصاف عدم المعارضة بين الطائفتين لعدم التكافؤ.فان الثانية بين ما هو خارج عن محل الكلام او ضعيف السند او الدلالة. بحيث لا تقاوم الطائفة الاولى، فيتعين العمل بها حسبما عرفت.»اذ الطائفة الثانية حسب ما عرفت اصح سنداً بالنسبة‌الى الطائفة الاولى. كما هي اظهر دلالة.نعم ربما لا يمكن التمسك باطلاق بعضها في بعض الموارد الا ان عروض المحذور في بعض الموارد المانعمن التمسك بالاطلاق لا يوجب رفع اليد عن تمام المدلول، ولاحكم باسقاطه بالجملة.ثم افاد (قدس سره) في نهاية الامر:«والذي يكشف لك عما ذكرناه كشفاً قطعياً، ان وجوب الحج من المسائل الكثيرة الدوران التي يبتلي بها عامة الناس فلو كان الوجوب ثابتاً لمن اطاق المشي لشاع وذاع وكان من الواضحات، كيف ولم يذهب اليه احد من القدماء بل ادعي الاجماع على خلافه. وانما حدث القول به من المتأخرين، وكفى به دليلاً على عدم الوجوب فالمتبع انما هي الطائفة الاولى المقيّدة لاطلاق الآية المباركة ولا سيما بعد ورودها في مقام الشرح والتفسير، والسليمة عما يصلح للمعارضة، حسبما عرفت.»وفيه:ان المدعى شرطية التمكن من الراحلة في وجوب الحج عند الحاجة اليها وفرض عدم الحاجة اليها فرض نادر من حيث المورد يختص بالقريب الى مكة او من كان في حكم القريب، كما انه قابل للسريان بالنسبة الى الامكنة التي يتعارف الخروج منها الى مكة بالمشي ولو في بعض الازمنة من جهة تمكن الناس من الراحلة وعدم تمكنهم منها. كاهل المدينة‌في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) كما مر في اخبار الطائفة الثانية – صحيحة معاوية بن عمار – وعليه فان المدعى وجوب الحج عند القدرة على المشي في حد القدرة العرفية وفي دائرة الاستطاعة العرفية، بلا لزوم اي مشقة لا تتحمل عادة المعبر عنه بالعسر والحرج وبلا لزوم اي مهانة وذلة. وعدم شيوع هذا المعنى انما كان بلحاظ ندرته، فان غالب الناس لا يتمكنون من الوصول الى مكة الا بالراحلة لقلة اهل مكة والساكن في اطرافها القريب اليها بالنسبة ‌الى المكلفين بالحج.كما ان العمدة‌ في عدم الشيوع ارتكاز شرطية الاستطاعة العرفية لوجوب الحج الصادقة بحسب غالب الموارد على توقف طي المسير الى الراحلة هذا مع ان بحث شرطية ‌التمكن من الراحلة ‌بالنسبة الى القريب او عند الحاجة امر مذكور في كلمات القدماء منهم الشيخ (قدس سره) على ما مر في كلامه، وكذا في كلام مثل المحقق والعلامة العارف بكلمات الاقدمين.وعليه فلا كاشفية عما افاده (قدس سره) كما ادعاه فضلاً عن قطعيتها.كما انه قد مر ان مدلول الآيات لا ينافي الآية الكريمة ولو بالاطلاق والتقييد لما مر من انها لا ظهور لها اكثر من تفسير الاستطاعة العرفية وهي كما تتحقق بالراحلة، كذلك يمكن فرض تحققها بالمشي ولو بالنسبة الى افراد خاصة او امكنة‌ خاصة‌ او ازمنة خاصة.وبالجملة:ان حاصل الكلام ان الاستطاعة ‌المذكورة في الآية لا يراد منها غير الاستطاعة العرفية، والاخبار الواردة في الطائفة الاولى لا ظهور لها الا في تفسير هذه الاستطاعة العرفية دون تقييد اطلاقها بخصوص التمكن من الراحلة ومعه لا تنافي بينها وبين الاخبار الواردة في الطائفة الثانية وما ربما يستظهر منها بظاهرها العسر والحرج فانما يرفع اليد عن خصوص ما يستلزمه على ما مر في تحقيق كلمات السيد الخوئي (قدس سره).هذا مقتضى التحقيق في المسئلة، وقد كشف عنه اهتمام صاحب العروة بلزوم الاحتياط فيه، وانه لو لا الاجماعات والشهرات لكان مدلول الطائفة الثانية في غاية القوة. وكان العمدة فيه ما استفدناه من كلمات سيدنا الاستاذ (قدس سره) في المرتقى. قال صاحب العروة:

مسألة 2: «لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد حتى بالنسبة إلى أهل مكة، لإطلاق الأدلة، فما عن جماعة من عدم اشتراطه: بالنسبة إليهم لا وجه له.»[1]

فان الالتزام بعدم الفرق في المقام حسب ما افاده ناشئ من الالتزام بان مدلول الطائفة الاولى من الاخبار الواردة في المقام ان للراحلة خصوصية كالزاد في وجوب الحج بها تقيّد ظاهر الآية في شرطية الاستطاعة العرفية. وحيث ان مدلول هذه الاخبار اشتراط الراحلة مطلقا، فلا وجه لاختصاص الاشتراط بالبعيد او اهل مكة، بل الراحلة شرط في الوجوب مطلقا.هذا ما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) ايضاً.خلافاً لجماعة من الاصحاب.

قال صاحب الجواهر: بعد بيان قول المحقق في الشرايع:

«وهما – الزاد والراحلة– معتبران فيمن يفتقر إليهما في (قطع المسافة) قال: وإن قصرت عن مسافة القصر، خلافا للمحكي عن العامة فشرطوا ذلك. لا مثل القريب الذي يمكنه قطع المسافة بالمشي من دون مشقة يعتد بها، بل لا أجد فيه خلافا، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وإن كان الذي وقفنا عليه الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في القواعد والتذكرة والمنتهى، وعن التحرير والمصنف أنه لا يشترط الراحلة للمكي، ولعلهما يريدان أيضا ما يشمل ذلك. فيتفق الجميع حينئذ. لكن في كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضي إلى عرفات وأدنى الحل والعود. ولذا أطلق الأكثر ومنهم الشيخ في غير المبسوط والفاضل في الإرشاد والتبصرة والتلخيص والمحقق في النافع.

قلت: قد يقال إنه ينقدح الشك من ذلك كله في تناول دليل الشرط المزبور لمثل الفرض، فيبقي اعتبار صدق اسم الاستطاعة بالنسبة إليه خاليا عن المعارض، وإنما يبقى تقييده بنفي الضرر والحرج ونحوهما، ويكون حينئذ المدار عليها كما فيما لم يدل دليل على اعتبار أمر شرعي من الاستطاعة بالنسبة إليه لما سمعته من التحقيق السابق.»[2]

وقال الشيخ (قدس سره):«و كيف كان فلو كان قريبا، بحيث يسهل عليه المشي عادة، فلا يعتبر الراحلة في حقّه. و لذا ذكر في المبسوط على ما حكي: انّ أهل مكّة و من قرب عنها لا راحلة في حقّه. و نحوه في المعتبر، كما عن التذكرة.لكن ينبغي اعتبارها لأجل الذهاب إلى أدنى الحلّ و العود، و إلى‌ عرفات.

إلّا أن يقال: إنّ ظاهر الآية هو اعتبار الاستطاعة بالنسبة إلى البعيد عن مكّة؛ لأنّ الضمير في قوله تعالى: «إِلَيْهِ» راجع إلى البيت، و من المعلوم أنّ المكّيّ لا يقال: إنّه يستطيع إليه سبيلا، فالاستطاعة الشرعيّة لا يعتبر بالنسبة إليه، حتّى بالنسبة إلى عرفات و الذهاب إلى محلّ الإحرام، فبقي المعتبر بالنسبة إليه الاستطاعة العرفيّة مع ملاحظة أدلّة نفي العسر.»[3]

وافاد السيد الحكيم (قدس سره)

« قال في الشرائع: " وهما - يعني: الزاد والراحلة - يعتبران في من يفتقر إلى قطع المسافة... ". وفي المسالك في شرحه: " احترز بالمفتقر إلى قطع المسافة عن أهل مكة وما قاربها، ممن يمكنه السعي من غير راحلة، بحيث لا يشق عليه عادة، فإن الراحلة حينئذ غير شرط... ".»[4]

 


[1] العروة الوثقي-جامعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبايي اليزدی، ج4، ص364.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهری، ج17، ص252.
[3] كتاب الحج، الشيخ الانصاري، ص27 و 28.
[4] مستمسك العروة-ط بيروت، السيد محسن اطباطبائی الحكيم، ج10، ص72.