درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

93/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في شرائط وجوب حجة الإسلام/الاستطاعة

قال صاحب العروة:

مسالة 9: «إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا، فبان بعد الحج أنه كان بالغا، فهل يجزي عن حجة الإسلام أو لا ؟ وجهان، أوجههما الأول وكذا إذا حج الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب ثم ظهر كونه مستطيعا حين الحج...»[1]

قال السيد الحكيم في المستمسك:الاشكال في الصحة في هذه المسألة من وجهين:

الأول: إن حجة الاسلام تختلف مع غيرها من أنواع الحج بالخصوصيات الداخلية، نظير الاختلاف بين صلاة الصبح ونافلة الصبح، فالحج مع فقد بعض الشرائط ليس حج الاسلام وليس بواجب.

والحج مع الشرائط حج الاسلام وهو واجب. فإذا حج - بعد ما حج حجة الاسلام - كان حجه غير حجة الاسلام، فالاختلاف بينهما بالخصوصيات الداخلية.

وحينئذ فإذا نوي حجا غير حجة الاسلام كيف تصح حجة الاسلام مع عدم النية ؟ ! نظير ما لو نوي العصر - باعتقاد أنه صلي الظهر - فتبين أنه لم يصل الظهر فإنها لا تصح ظهرا، فإذا صحت ظهرا فقد صحت بلا نية.

الثاني: من وجهي الاشكال: أنه إذا نوي الأمر الندبي ولم ينو الأمر الوجوبي، لم يتحقق امتثال الأمر الوجوبي بقصد امتثال غيره، فلا موجب لسقوطه.

والتحقيق:

أن القيود التي تذكر في موضوع الامتثال العبادي اشتباها تارة: تلحظ بما هي، وأخري: تلحظ طريقا ومرآة إلي غيرها.

والأولي تارة: تكون ملحوظة علي نحو وحدة المطلوب.

وأخري: علي نحو تعدد المطلوب، فإن لوحظت بما هي علي نحو وحدة المطلوب بطلت العبادة، لفوات القصد إلي الواقع، لمنافاة قصد القيد - ولو اشتباها - إياه.

ففي فرض المسألة إذا لوحظ قيد الحج الندبي والأمر الندبي فقد فات قصد الحج الاسلامي والأمر الوجوبي، فلا مجال للصحة.

وإن لوحظت علي نحو تعدد المطلوب:

فإن كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين الأقل والأكثر صحت العبادة.

كما إذا اعتقد أن الحج الاسلامي شرع في مكة - مثلا - اشتباها، فقصد الحج الاسلامي المشرع في مكة علي نحو تعدد المطلوب، لم يقدح ذلك في صحة امتثال أمر الحج الاسلامي إذا كان قد شرع في المدينة، لأن فوات القيد المذكور - الذي قصد اشتباها - لا يقدح في قصد الحج الاسلامي، بعد ما كان التقييد علي نحو تعدد المطلوب. وإن كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين لم يصح الامتثال، فإن تعدد المطلوب إنما يقتضي وقوع القصد علي ذات المقيد حتي علي تقدير انتفاء القيد، ولا يقتضي وقوع القصد علي القيد المباين.

ففي المقام إذا قصد الحج غير الاسلامي والأمر الندبي علي نحو تعدد المطلوب، فقد تعلق القصد بذات الحج وبذات الأمر، لكن لم يتعلق بالحج الاسلامي ولا بالأمر الوجوبي.

ولو بني علي عدم اعتبار قصد الوجوب والندب يكون البطلان مستندا إلي عدم قصد خصوصية الحج الاسلامي فإنه لا بد من قصدها في تحقق العبادة، فينحصر تصحيح الحج الاسلامي - في الفرض - بصورة ما إذا كان قصد الحج غير الاسلامي بعنوان كونه عبرة ومرآة إلي الحج الاسلامي، فيكون الحج الاسلامي مقصودا بالأصالة ولو إجمالا.

ومن ذلك يظهر أنه - مع تباين القيود الواقعية والخطئية - ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو المرآتية والطريقية، ومع عدم التباين وكونها من قبيل الأقل والأكثر ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو تعدد المطلوب، فإذا لوحظ بنحو وحده المطلوب تعين البناء علي البطلان.

ومن ذلك يظهر أنه في اطلاق الصحة في كلام المصنف(ره) نظر، وكان اللازم التفصيل في المسألتين علي النحو الذي ذكرنا. وسيأتي في المسألة الخامسة والعشرين نظير المقام.»[2]

وحاصل ما افاده(قدس سره):تصحيح الحج في المقام بوجهين:

1 – ملاحظة القيود كالبلوغ والاستطاعة علي نحو تعدد المطلوب و كون الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين الاقل والاكثر.

2 – ملاحظة القيود المذكورة علي نحو تعدد المطلوب مع كون الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين ولكن لوحظ القيود الاشتباهية ـ المقصودة ـ مرآة وطريقاً الي القيود الواقعية وكان حجة الاسلام مقصوداً بالاصالة ولو اجمالاً.

واما اذا كانت القيود ملحوظة علي نحو وحدة المطلوب.

او لوحظت علي نحو تعدد المطلوب وكان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين فحيث لم يقع القصد علي ذات المقيد حتي علي تقدير انتفاء القيد، بل وقع القصد علي القيد المباين، فلا يتم الحج في المقام.

ولذلك اورد علي صاحب العروة(قدس سره) من جهة اطلاق كلامه في صحة الحج بلا عناية الي هذه التفاصيل.

وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في المقام:

«اشثرنا غير مرة في مطاوي هذا الشرح اليي ان الواجب العبادي لا يحتاج في تحققه اليي ازيد من قصد نفس الفعل مع الاضافة اليي الموليي نحو اضافة ولا يفتقر اليي قصد الوجه من الوجوب او الندب. عذب

هذا فيما اذا كانت الذات متميزة عما عداها.

واما اذا كانت مشتركة مع غيرها في الصورة وان كانت مباينة في الحقيقة وانما يكون الامتياز بالقصد.

كما في الاداء القضاء والفريضة والنافلة والظهر و العصر ونحوهما مما لا تفترق احداهما عن الاخريي في صورة العمل ولا تمتاز الا بالعنوان الخاص المتلبس به كعنوان الظهر او القضاء مثلاً ففي مثله لا محيص من تعلق القصد بذلك العنوان ايضاً رعاية لتحقق الذات المامور بها.

فلو اتيي بذات الركعتين عارية عن قصد الفريضة او النافلة او بذات الاربع من غير قصد الظهر ولا العصر لم تقع امتثالاً لشيء منهما لعدم الترجيح في المبين بعد عدم تعلق القصد بشيء من العناوين

وبالجملة ففي العناوين القصدية لا مناص من تعلق القصد بالعنوان بخصوصهة ولو بالاشارة الاجمالية والنية الارتكازية.

ومن ثم لو كانت الذمة مشغولة بالصلاة الادائية فقط فتخيل اشتغالها بالقضائية فنواها ثم انكشف الخلاف بطلت صلاتهة ولم تكن مجزئة عن الادائية لان ما قصد لم يقع وما هو الواقع لم يقصد.

ولوكان جنبا فتخيل انه ماس للميت فنويي غمسل المس او بالعكس لم يكن مجزياً ايضاً عليه ما فصلنا الكلام حول ذلك مستقصيي في بحث الاغسال.عنال

وقلنا انها حقائق متباينةئنه وطبائع متعددة ولابد من تعلق القصد بكل حقيقة بخصوصها، فلو كانت الذمة مشغولة باحدهما دون الاخري فقصد ما لم تشتغل به الذمة لا يكون مجزياً عما اشتغلتْ لما عرفت من أان ما قصد لم يقع وما هو الواقع لم يكن مقصودا.

وعلي ضوء ذلك يتوجه الاشكال في المقام.

حيث ان حجة اهالاسلام التي بُني عليها الإسلام لها عنوان خاص به صارت طبيعة خاصة في قبال سائر اقسام الحج من حج الصبي والمتسكع ونحوها.

فلو تخيل الحاج عدم بلوغه فنويتوي ـ بطبيعة الحال ـ حجاً غير حجة الاسلام ثم بان بعد الحج انه كان بالغاً.

او حج باعتقاد عدم الاستطاعة فبان كونه مستطيعاً.

فهل يجزي ذلك عن حجة الاسلام ام لا؟

وكذا الكلام في عكس ذلك فهل يصح حجهة مع انه نوي ما لا واقع له اولا؟

فغمناط الاشكال ليس اعتقاد قصد الوجه والاخلال بنية الوجوب والاستحجباب فان المُحقق في محله عدم اعتباره.

بل الاشكال متمحض في حيثية الاخلال بقصد العنوان المتقوم به الذات وهو عدم تعلق النية بحجة الاسلام بعنوانها فقد نويي ما لا واقع له ولم يكن ناوياً لما هو الواقع.

وقد اشرنا في امثال هذه المقامات اليي ان الصحة واتلفساد يتبعان كيفية تعلق القصد بتلك الخصوصية التي لا واقع لها.

فان كانت ملحوظة عليه سبيل الموضوعية وبنحو التقييد كما في ناوي القضاء بزعم فراغ الذمة عن الاداء بطلت العبادة فيما لم يكن عليه قضاء لما عرفت من الاخلال بما هو المقوم للذات من قصد العنوان الخاص. وان كانت ملحوظة عليي سبيل الطريقية فكان ناوياً للامر الفعلي فاشتبه ة وتخيل انه كذا فبان غيره. كان من باب التخلف في الداعي والخطاء في التطبيق.

كما لا يبعد ان يكون الحج من هذا القبيل حيث ان الحاج ينوي نيويحج هذه السنة والامر الفعلي المتوجه اليه المتعلق به فقي هذا العام. غايته: انه كان يعتقد عدم اتصافه بحجة الاسلام وانه حج مندوب لتخيل عدم بلوغه فينكشف خلافه.

فمثصله محكوم بالصحة لتعلق القصد لديي التحليل ولو اجمالاً ‌بعنوان حجة الاسلام وان لم يلتفت اليه تفصيلاً. وهو كاف في الصحة حسبما عرفت.»[3]


[1] العروة الوثقي-جامعه المدرسين، السيدمحمدکاظم الطباطبائی اليزدی، ج4، ص352.
[2] مستمسك العروة الوثقی-ط قم، السيد محسن الطباطبائی الحكيم، ج10، ص32 و 34.
[3] مستند العروة الوثقي، الشيخ مرتضي البروجردي، ج1، ص56 و 57.