درس خارج فقه استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

93/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فضله وثوابه، رقم الجلسة5، كتاب الحج

قال صاحب العروة (قدس سره): « وتاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم.»

والظاهر ان مراده (قدس سره) ان من اعتقد بوجوبه، ولكن تركه عن عمد وعن استخفاف فهو بمنزلة‌ الكافرين.وهذا بظاهره لا يتم الالتزام به.و ذلك لان الترك بما هو ولو كان عن عمد لا يوجب الكفر لا في الحج ولا في غيره كما حقق في محله.

و اما الترك عن استخفاف فلا يزيد عن الاستخفاف بالصلاة ففي قوله تعالى ﴿فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾[1] بناء على كون المراد من السهو عن الصلاة، الاستخفاف كما افاده بعض المفسرين. فانه بعنوانه لا يوجب الكفر.

و مع اجتماع العنوانين ايضاً اي الترك عن عمد و الاستخفاف لا يتحقق الموجب والسبب للكفر. وقد مر ان الميزان للكفر انكار الوحدانية، وانكار النبوة كما ان المعيار للاسلام المقابل له الشهادة‌ بالوحدانية والشهادة‌ بالنبوة. فمن ترك الحج عمداً واستخفافاً مع حفظ شهادته بالوحدانية والنبوة لا وجه لنا للحكم بكفره.قال صاحب الجواهر (قدس سره)

«... فهو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية من الرجال والنساء والخناثي كتابا وسنة [2] وإجماعا من المسلمين بل ضرورة من الدين يدخل من أنكره في سبيل الكافرين، بل لعل تأكد وجوبه كذلك فضلا عن أصل الوجوب، كما هو واضح ولذا سمى الله تعالى تركه كفرا في كتابه العزيز»

و محصله: انه كما ان انكار الحج يوجب الكفر، كذلك انكار تاكد وجوبه في الشريعة يمكن ان يرجع اليه، وعبر عنه بقوله «ولعل تاكد وجوبه كذلك».وافاد السيد الحكيم في المستمسك:

انه يمكن ان يكون قول صاحب العروة (قدس سره): «وتاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم» راجعاً الى الكلام المزبور من الجواهر من احتمال ثبوت الكفر بانكار اهمية وجوبه. وحيث ان صاحب الجواهر قرر اهمية وجوبه ضرورياً كاصل وجوبه: فالمستخف انما ينكر هذه الضرورة ‌من الدين وانكار الضروري يوجب الكفر.

ويمكن ان يقال كما مر، ان مع فرض كون اهمية وجوبه من ضروريات الدين مع ان فيه تامل واضح وان ربما كانت الاهمية ضرورية عند الخواص دون عوام المسلمين، فان انكار الضروري بما هو لا يوجب الكفر، الا اذا انتهى الى انكار النبوة.نعم: يمكن ان يكون مستند ما افاده صاحب العروة في المقام:ما رواه محمد بن يعقوب عن ابي علي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح المحاربي، عن ابي عبدالله (ع) قال:من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجةٌ تجحف به او مرض لا يطيق فيه الحج او سلطان يمنعه فليمت يهودياً او نصرانياً.و هذه الرواية رويت في جوامعنا بطرق كثيرة.

فرواه المفيد في «المقنعة» عن ذريح. و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب الا انه ذكر: فليمت ان شاء يهودياً وان شاء ‌نصرانياً.

و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسين بن صفوان بن يحيى عن ذريح.و رواه البرقي في «المحاسن» عن محمد بن علي عن موسى بن سعدان عن الحسين بن ابي العلاء عن ذريح. (مثل ما رواه الكليني)ورواه المحقق في «المعتبر» عن ذريح. ورواه الصدوق باسناده عن صفوان بن يحيى.ورواه ايضاً عن «عقاب الاعمال» عن محمد بن علي بن ماجيلويه عن محمد بن علي الكوفي عن موسى بن سعدان.

ورواه ايضاً عن احمد بن محمد عن محمد بن احمد النهدي عن محمد بن الوليد عن ابان بن عثمان عن ذريح المحاربي.[3]

فالرواية مشهورة ‌بين الاصحاب ومعتبرة صحيحة ايضاً.لان الكليني رواه عن ابن علي الاشعري، وهو احمد بن ادريس، وثقه النجاشي والشيخ في الفهرست والعلامة. وهو من الطبقة الثامنة.وهو رواه عن محمد بن عبدالجبار، ابن ابي صهبان، وثقه الشيخ في الرجال والعلامة في الخلاصة. وهو من الطبقة‌ السابعة.

وهو رواه عن صفوان بن يحيى، وهو غني عن التوصيف وقد افاد الشيخ في الفهرست: «اوثق اهل زمانه عند اصحاب الحديث»، وقال فيه النجاشي: «ثقة ثقة»، وهو من اصحاب اجماع الكشي. ومن اصحاب اجماع الشيخ في العدة من اعلام اصحاب الرضا (عليه السلام). وهو من الطبقة السادسة.

وهو رواه عن ذريح المحاربي.وهو ذريح بن محمد بن يزيد، ابو الوليد المحاربي، كما ذكره النجاشي والعلامة في الخلاصة او ذريح بن يزيد بن محمد كما في الفقيه.وثقه الشيخ (قدس سره) في الفهرست وروى عنه ابن ابي عمير وصفوان من اجلاء ‌اصحاب ابي عبدالله وابي الحسن (عليها السلام) و وردت اخبار يظهر منها علو درجته. وهو من الطبقة‌ الخامسة:فالرواية‌ صحيحة بطريق الكليني. وكذا اكثر الطرق الاخرى التي مر ذكرها.اما جهة الدلالة فيها:فان الرواية صريحة في ان من ترك الحج بلا عذر و ذكر منها الحاجة، والمشكل الذي كان فوق تحمله وانما يستعمل الجحاف فيما يزيل الشيء من اصله او كان في بدنه مرض لا يتحمل معه الحضور في الحج و لايطيقه او يمنع عنه ظالم و لا سبيل معه الى الحج. فانه يلزمه ان يموت يهودياً او نصرانياً.فان الاعذار المذكورة يمكن التوسعة فيها لو صدق عليه العذر المانع عن الحج ومعها يحرم عن الموت مسلماً فيلزم ان يموت غير مسلم.

وفي رواية اخرى نقلها الصدوق في الفقيه والخصال باسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه جمعيا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله له ـ لعلي عليه السلام ـ يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة القتات والساحر.[4] [5] (إلى أن قال) ومن وجد سعة فمات ولم يحج (وفيها أيضا) يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر قال الله تبارك وتعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيمة يهوديا أو نصرانياوالمعنى واحد، اي ان تارك الحج لا لعذر لايمكنه ان يموت مسلماً، بل لزمه ان يموت اما يهودياً، او نصرانياً، او بعثه الله يهودياً او نصرانياً.

وهنا نكتتان:الاولى:ان مقتضى رواية ذريح المحاربي ان الموت يهودياً او مسيحياً لا مسلماً انما هو عقوبة من ترك الحج لا عن عذر. وان شئت قلت: من تركه متعمداً دون من يستخف به فتترتب العقوبة اذا ترك الحج و لو لم يكن تركه عن استخفاف.قال السيد الحكيم (قدس سره) بعد ما ذكر احتمال رجوع كلام صاحب العروة (قدس سره) الى رواية ذريح المحاربي:

«لا اختصاص لها بالاستخفاف ومقتضى اطلاقها ترتب الاثر المذكور على الترك، وان لم يكن عن استخفاف»[6]

ويمكن ان يقال:

ان في رواية الصدوق باسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه عن جعفر بن محمد «... يا علي من سوّف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيمة يهودياً او نصرانياً.»

ولعل المراد من (سوّف الحج) من اصرّ على تركه او من تردد في فعله وتركه حتى يموت فهو ربما ينطبق عليه الاستخفاف.ولكنه يقال:ان رواية الصدوق مضافاً الى الاشكال فيها سنداً لا يدل الا على بعث تارك الحج او مستخفه يهودياً او نصرانياً، وظاهره كونه في رتبة الكفار في مقام الجزاء والعقوبة دون صيرورته كافراً في حياته.وعليه فان ما اورد السيد الحكيم على صاحب العروة لابد من الالتزام به الا ان يكون نفس ترك هذه العبادة العظيمة المؤكدة وجوبها استخفافاً به.والمشكل جداً قبول ذلك، لان الترك يتصف بان يكون عن استخفاف، ويكون عن غير استخفاف.وحد صحيحة ذريح المحاربي الزام تارك الحج بان يموت يهودياً او نصرانياً حتى اذا لم يكن مستخفاً.‌الثانية:ان مقتضى صحيحة ذريح المحاربي تنزيل تارك الحج منزلة اليهودي او النصراني في حال الموت دون صيرورته كافراً حقيقة، ولذا لايلتزم احد بالمنع عن دفنه بلا رعاية ضوابط دفن المسلم او كفنه.فانه مسلم حقيقة لانه يشهد بشهادتين ولا يرجع تركه الا بقصوره في الفروع دون الاصول فالمعنى ان تارك الحج يكون في المنزلة عند الموت كاليهودي او النصراني اللذين لا يعتقدان بالنبوة مع اعتقادهما بالالوهية.والظاهر ان سيد العروة (قدس سره) كان متوجهاً الى هذه الجهة في عبارته. حيث افاد: وتاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم اي: لا يصير كافرا،ً بل صار بمنزلة الكفار.ولا يستفاد اكثر من ذلك في تارك الحج ولو كان غير مستخف من الادلة كما انه لا دليل على كون المستخف بخصوص الحج كافراً حقيقة نعم لو تركه عن استخفاف كان بمنزلتهم كما اذا تركه لا عن استخفاف.

[1] ماعون/سوره107، آیه5.
[2] الجواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ج17، ص220.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج11، ص29-30، من ابواب وجوب الحج، الباب7، الحدیث 14162/1، ط آل البیت.
[4] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص384، الباب النوادر وهو آخر أبواب وصية رسول الله (ص) لعلي (ع)، الحديث 5762؛ .
[5] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج11، ص31-32، من ابواب وجوب الحج، الباب7، الحدیث 14164/3، ط آل البیت.
[6] مستمسك العروة، السيد محسن الحكيم، ج10، ص4.